Advanced search

دروس Related

  • صلاة التراويح أهميتها وفوائدها

    More
  • المفطرات المعنوية الرفث و الفسوق

    More
  • المفطرات المعنوية-الغيبة والنميمة

    More
View all

New الدروس

  • صلاة التراويح أهميتها وفوائدها

    More
  • المفطرات المعنوية الرفث و الفسوق

    More
  • المفطرات المعنوية-الغيبة والنميمة

    More
اعرض الكل

Most visited

  • آداب العزاء للسيدات

    More
  • أحداث آخر الزمان والقضاء علي اليهود

    More
  • رسالة التمام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)ـ

    More
View all

آداب التخلي وآداب التحلي

Visits number:463 Downloads number:5
Download video Watch Download audio Listen
آداب التخلي وآداب التحلي
Print Friendly, PDF & Email
+A -A



بسم الله الرحمن الرحيم 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الانْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ﴾ (72) ( الأحزاب )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا ، وجعلنا من المُسَلّمِين المُسلِمِين .

والصلاة والسلام على ساقى الأرواح شراب حضرة الكريم الفتاح ، ومناول القلوب طهور المشروب  وكاشف الغيوب لكل قلب خلا منه العيوب سيدنا محمد الحبيب المحبوب ، وآله الأتقياء وصحابته الأصفياء ، وكل من تبعهم على هذا الهدى إلى يوم العرض والجزاء ، وعلينا معهم أجمعين ..آمين .. آمين يارب العالمين ..

إخوانى وأحبابى بارك الله عزّ وجلّ فيكم أجمعين ..

بين الله عزّ وجلّ لنا فى الآيات التى طُفْـنَا حولها وحسب ، ولم نكشف بعض أسرارها أنّ الآداب التى ينبغى أن يكون عليها طلاّب الوجه العلىّ هى أولاً آداب فى التخلّى ، وبعدها آداب فى التحلّى.

يتخلى الطالب فى بدايته عن كل ما يصدر منه إيذاء خلق الله أو بريّته ، كما يتخلىّ فى قلبه عن أنانيّته وعن ذاته ، ويتخلى فى نفسه عن شهواته وعن حظوظه وعن أهوائه .. فإذا تخلىّ تحلىّ ، وإذا تحلىّ  فإنّ ربّه له يتجلىّ ، ثم  يُقرّبه لحضرته ويقول له تملىّ ..

رُتبٌ لا بدّ منها لمن إختاره الله وإجتباه لحضرته .. إصطفاه ورقّاه ومن حبيبه صلى الله عليه وسلم ناوله وأعطاه .. وقد أخذنا لمحةً عن التخلىّ وخاصة عن البشريّة فى الإهتمام بالخلق وتلمُّس عيوبهم  والنظر إلى الخير الوارد من الله لهم ، وحسد الآخرين على ما آتاهم الله من خيره وبرّه ، أو على ما آتاهم الله عزّ وجلّ من فضله وجوده وكرمه .

فإذا تخلىّ عن هذه الأوصاف .. قام ليتحلىّ بما ذكره الله عزّ وجلّ فى قوله :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ..فما ثمرة القول السديد .. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾( الأحزاب: 70،71) والقول السديد يجب أن يكون مع الحق ومع الخلق .. القول الحق مع الخلق أجمعين :﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾( البقرة: 83) أن نقول للناس الكلام الذى به محاسن وبه جمال فيتلذذون بسماعه ، وينتعشون عندما نُقْرع أسماعهم نغماته .. والقراءة الأخرى :

( وقولوا للناس حَسَنَاً ) أى القول الحّسَنْ الذى يُحب الجميع أن يسمعوه ، ولا يملّ الواحد منهم من سماعه ، بل يريد أن يستزيد منه ويطلب منه المزيد تلو المزيد .. ومثل هذا يقول فيه النبى صلى الله عليه وسلم :

( مثل المؤمن كالنحلة لا تقف إلاّ على طيّب، ولا يخرج منها إلاّ طيّب، وإذا وقفت على عودٍ هشّ لا تكسره ) وهذا وصف المؤمن الذى لا تصدر منه كلمة نابية أو جافية أو كلمة مؤذية تسبب للأخرين ضيق فى الصدور أو تأزُمٍّ فى النفس ، وذلك لأنه يقول الخير والبّر..ودائماً ما يستخدم الرفق فى كلامه ، والحبيب المعصوم صلى الله عليه وسلم يقول :

( ما دخل الرفق فى شيءٍ إلاّ زانه ، وما دخل الخرق ــ أى الطيش ــ فى شيءٍ إلاّ شانه ) .. فهى مجرّد كلمة .. إن نبعت من القلب فإنها تسُرّ القلب الآخر لأن القلب لا يصدر منه إلاّ خير ، وإن نبعت من النفس فإن وقعها يكون كوقع السهام لأنها جارحة ، بل إنها أحياناً تكون قاتلة ، وذلك لأن نفسه بها غضبٌ على فلان ، والنَفَسَ يُخِرْجُ فى بركان الغضب حِممٌ يطلقها اللسان .. هذه الحمم تصطقّ لها الآذان ، وتُغيّر هذا الإنسان ، وتجعله ينفعل فى الحال بما يسمعه من هذا المقال الذى يخرج من النفس .. هذا وإن كانت نفس الإنسان ما زالت حيّة تتصف بالأثرة والأنانيّة والظهور والشهوة والسُمعة وما شابه ذلك من الأوصاف التى لا يحبها الله عزّ وجلّ ولا يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ..أمّا المؤمن فإن قلبه مشغولٌ بالكليّة بربه عزّ وجلّ .. فإذا تبادل الحديث مع إنسان فإن الله يتنّزل على قلبه بإلهام يتحدث به هذا الإنسان .. ولذلك تجد راحةً فى حديثه ، وشفاءاً وبلسماً فى كلامه ، وذلك لأنه يتكلمّ من القلب ، ولا يحمل القلب إلاّ الخير .. كل الخير لجميع خلق الله عزّ وجلّ ، وهذا الإنسان مع الخلق كما يقول الإمام علىّ رضى الله عنه فى وصف الأولياء:

{ انفسهم عفيفة ، وحاجتهم خفيفة .. لا يتأذّى منهم أحدٌ }، لا يتأذى منهم أحدٌ .. خفافاً لطافاً فى أى موضعٍ يذهبون إليه ، فلا يحمّلون الناس ما لايطيقون ، ولا يجعلون الناس فى كربٍ او شدّةٍ .. أمّا لو جاء للإنسان ضيفٌ ثقيل ، فإنه يحمل الهمّ ويتساءل ماذا يُطعمه ، وكيف يمشى من عنده ، وذلك لأنه ضيفٌ ثقيل .. أما هؤلاء { فأنفسهم عفيفة ، وحاجتهم خفيفة } لا يستـثـقلون من حاجات الدنيا لأنهم يعلمون أنهم مسافرون ، فيتخففون ويعملون بكلام النبى الأمين : ( خفف الحمل فإن العقبة كؤود ، وكثّر الزاد فإن السفر طويل )

{ أنفسهم عفيفة وجاجاتهم خفيفة } مثل الأنصار والمهاجرين .. وهم المسلمون الصادقون فى كل زمانٍ ومكان إذ كان الرجل منهم عندما يهاجر ، يتعارك عليه الأنصار وكل واحدٍ يريد أن يفوز به .. حتى أنهم كانوا يقترعون .. أى يعملوا قرعة ، ومن كانت تخرج عليه القرعة ، يكون فرحاً مسوراً بالفوز بأخيه المهاجر .. لماذا كل ذلك ؟ لأنهم رأوا أناساً عندهم عفة ونقاءاً وصفاءاً وعندما يقول له الأنصارى: هذا مالى وهذا بيتى .. فيقول له المهاجر: بارك الله لك فى مالك ، وبارك الله لك فى بيتك ، ولكنى دُلنّى على السوق .. هكذا علمهم رلاسول الله صلى الله عليه وسلم :

 ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الارْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾( البقرة: 273)

وأقُصُّ عليكم واقعة غريبة ، فقد جاء لرسول الله ضيوفٌ كثيرة ، فأخذ سيدنا أبو بكرٍ منهم مجموعة كبيرة ، وأرسلهم مع إبنه للمنزل وأمره أن يُطعمهُم ، وعندما أحضرلهم الطعام ، قالوا: لا نأكل حتى يأتى صاحب البيت ، وعندما جاء سيدنا أبو بكر سأل: هل أطعمتم الضيوف ؟ قالوا: حتى تأتى  فعنّف أبو بكر زوجته وإبنه على ذلك تعنيفاً شديداً ، فقالوا والله لقد قدّمنا لهم الطعام ، لكنهم أبوا .. فقال: أبو بكر هاتوا الطعام ، وإنشغل أبو بكر ببعض حاجياته ، وعندما رجع وجد الطعام كما هو ، وذلك لأنهم كانوا يأكلون ويدعون بالبركة فى الطعام ، والبركة لصاحب البيت .. فكانوا كلما أكلوا من الطعام ــ قالوا فى الرواية : ربى الطعام ــ أى زاد الطعام فى موضع أيديهم فيجدونه كما هو حتى أن سيدنا أى بكرٍ لم يصدّق حتى أقسم له الضيوف انهم أكلوا .. ماهذا ؟

إنه حال الفقراء الصادقين فى كل زمان ومكان .. حاجاتهم خفيفة والبركة معهم وحولهم ، وذلك لأنهم يطلبون رضا الله عزّ وجلّ ، حتى أن الناس يطلبون منهم بدلاً من أن يمكثوا شهور للبركة التى يلمسونها منهم .. لكن عندما يأتى ضيفٌ ثقيل يتساءل الإنسان لماذا لا يرحل .. إنه يعطل مصالحنا ؟ لذلك قال سيدنا علىّ فى أوصاف المؤمنين: { أنفسهم عفيفة ، وحاجتهم خفيفة ، الناس منهم فى راحة } فلا يؤذون أحداً ، ولا يضرون أحداً ــ وأنفسهم منهم فى عناء ــ أى أن الشدة كلها ليست على إخوانهم ، وإنّما على أنفسهم وهى الأولى بالشدة إلى أن تتهذب وتتريّض ، وإلى ان تتزكّى وتتطهّروإلى ان تصبح خاضعة هيّنة لىنةً لى ، وتطاوعنى فى السفر الطويل إلى رب العالمين عزّ وجلّ ، وإن لم أكبح جماح النفس فمتى أسافر ؟ ..

لأننى إن لم أفعل ذلك ، فكلما مشيت خطوة واحدة أرجع خمسين إلى الخلف .. فما الذى يكبح جماح النفس؟ .. تقليل الطعام والشراب والنوم ، ولذلك كان دائماً وصف الصالحين فى الطعام ــ كان أكلهم فاقة ــ  أى كان أكلهم مثل أكل الفقراء ، وكما قال سيد الأنبياء : 

( بحسب إبن آدم لقيمات يقمنه صلبه ) أمّا إن أكلتُ حتى أشبع فمتى أذكر الله؟ وقد قالوا يوماً للإمام الجنيد: عندما نصلىّ لا نجد الخشوع ، فماذا نفعل؟ .. قال: { يعمد أحدكم إلى بطنه فيجعلها مخلاة ويملأها بالطعام ، ثمّ يريد أن يجد لذّة الماجاة مع الله وبينه وبين الله مخلاة مملوءة بالطعام }

ولذلك كان السلف الصالح ينظروا: فإن وجدوا أحداً ما يأكل بكل يده يقولون عنه أنه ليس من الصالحين وذلك لأن سيدنا رسول الله كان يأكل بثلاث أصابع ، وكان يأكل لقمة لقمة ، ويتكلمّ أثناء الأكل لكى يمضغ الطعام جيداً فيسّهل عملية الهضم على المعدة ، أمّا إذا إمتلأت المعدة فلا شأن لصاحبها بالخشوع والحضور مع الله عزّ وجلّ ،

وتقول السيدة عائشة فى ذلك: { أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبع } إن الناس لما شبعت بطونهم جنحت بهم نفوسهم ، وأصبحوا يبحثون عن الدنيا .. أمّا إن كانت النفس عفيفة والمعدة خفيفة ، فإن الإنسان مع خلق الله لن يقول إلاّ ما يرضى الله ومع الله يشتغل بذكر الله وطاعة الله ، والعمل الصالح الذى يُحبه الله عزّ وجلّ ، ويرضاه .

 ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ﴾ (الأحزاب: 70) قولٌ مسددٌ أى موّفقٌ لذلك تجد دائماً أن كلمات المؤمن بها توفيق .. أمّا كلمات الإنسان العجول الجهول ليس بها توفيق ، بل تجد أن الكلمة الواحدة منه تعّكر بلدة بأكملها أو تتسبب فى حربٍ بين عائلتين أو بلدتين ، وذلك لأنه غير مُسدد فى أقواله ، وغير موّفقٌ فى كلماته ، لأنه ترك لنفسه الحبل على الغارب تُسّيّره كيف تشاء .. لذلك تجد صاحب النفس الحيّة كثير الحركة .. إّذ تراه يجلس هنا ، ثم يجلس هناك ، ولا يهدأ .. أمّا صاحب النفس المطمئنة دائماً ماتجده رزين ، حركته هادئة فقد يتحرك فى المجلس مرّةً واحدة أو قد لا يتحرّك بالمرّة ، وذلك لأنه مشغول بالله عزّ وجلّ .

والقول السديد مع الله هو القول الذى يحب الله عزّ وجلّ أن يسمعه من العبد ويرضاه .. مثل تلاوة كتاب الله .. التسبيح لله .. التحميد لله .. التهليل لله .. الصلاة على رسول الله ، وهذا ما قال فيه رسول الله: ( رحم الله أمرؤ، قال خيراً فغنم ــ أى أخذ الغنيمة ــ أو سكت فسلم )

وهكذا حال المؤمن لا يتكلم إلاّ إذاكان الكلام غنيمة سيغنم خيرها وثوابها وأجرها عند الله عزّ وجلّ.. أمّا إن كان الكلام يؤدى إلى محاضر يحاسبه عليها الملك العلام أو يشتكيه من أجلها الأنام .. فلا داعى لهذا الكلام لأنه قول يقول فيه الله:﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾( ق : 18)

إذاً المؤمن ليس لديه عجلة .. أمّا العجول فهو يتكلمّ وحسب ، وبعد أن يخرج منه الكلام يعتذر لهذا ولهذا ، ولذلك يجب عليه أن يفكر قبل أن يتكلمّ ليتحقق بقول الله :

﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾( الحج: 24) وثمرة القول السديد كما قال الله : يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ( الأحزاب: 71) لماذا لأنه من الجائز أن أكون من العُبّاد وأصلىّ كل ليلة ألف ركعة لله ، وأصوم أيام الدهر ، ولا يمّلّ لسانى من ذكر الله .. لكننى قلت كلمةٍ واحدة فى حق رجلٍ من عباد الله ، إمّا فى مواجهته أو من خلفه .. فإن كان فى مواحهته فقد آذيته بالكلمة أو جرحته ــ هذه الكلمة لكى أرضيه يوم لقاء الله لا يكفى لإرضائه عملى كله لو تحوّل له ــ فإذا كنت لا أقدر على لسانى .. فأين العمل الصالح ؟ إنه لا يكفى أخطائى وسقطاتى التى أخطأتها مع عباد الله المؤمنين ــ ولكى أصلح عملى فإنى لو لم أؤدى إلا الفرائض فقط مع حفظ لسانى .. فأنا صاحب غنيمة ، وصاحب همّةٍ عظيمة ، وصاحب أجرٍ كريم عند حضرة الكريم عزّ وجلّ لأنى سأذهب إلى هناك وليس لى مطالبين .. فأجرى موفور وذنبى مغفور وسعيى مشكور .. المصيبة فى حقوق العباد ، لذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان يوم القيامة ، ينادى منادى الله من بطنان العرش : ياعبادى قد إستمعت إليكم طويلاً ، فاستمعوا إلىّ اليوم .. ياعبادى أمّا ماكان بينى وبينكم فقد وهبته لكم ، وأمّا ماكان بينكم وبين بعضكم فتواهبوه فيما بينكم ثمّ أدخلوا الجنّة برحمتى ) .

 وما يحدث هناك عبارة عن صورةٍ مما يحدث هنا فى الدنيا ، فيُقال تعالى يافلان سامحنى .. يقول لا كم تعطنى .. إدفع ؟ .. ماذا أدفع ؟ حسنات .. هذا يأخذ جزءاً وهذا يأخذ جزءاً ، وإذا نفد الرصيد ومازلت مديون بكلمات غير مُسددة وغير موفّقة ، فأقول : سامحنى يا فلان .. يقول : كم تدفع ؟ يقول : لم يعد معى شيئاً .. يقول إحمل من سيئآتى .. فأين عملى الذى عملته ؟ .. لا شيء .

إذاً فإن مايصلح العمل هو القول السديد :

﴿ اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ ( الأحزاب :70، 71) أى يجعلها أعمالاً صالحةً ، إذ لا يوجد فيها مطالبين أو غُرماء .. والمصيبة العُظمى أن يخرج الإنسان من الدنيا وله غُرماء يطالبونه لأنه إغتاب هذا وسبّ هذا وسَفّه هذا .. فكل واحدٍ من هؤلاء يأتى يوم الدين ويقول أريد حقّى يارب من هذا العبد .. هذه الحقوق تستهلك ترِكَتِى من العمل الصالح ، بل لن تكفها ..

إذاً من يريد الدرجات العُلا عند الله ، عليه أولاً أن يمسك لسانه : ( وأمسك عليك لسانك ، وليسعُك بيتك ، وإبكِ على خطيئتك ) أى إبحث عن عيوبك ، وأصلحها ولا شان لك بعيوب الآخرين ، ولا تقيم نفسك محاسباً فى الدائرة الربّانيّة لرب العالمين ، والتى أرى أن كل الناس أقامت نفسها فى هذه الإدارة ، وكل واحدٍ منهم يريد أن يحارب الناس .. فلان مثلاً يبنى ، فيقول : كيف بنى ومن أين أتى بالمال ؟ .. وطالما أنه لم يطلب منك شيئاً فلا شأن لك بذلك ..

وتجد كل الناس على هذه الشاكلة ، وهذ هى المصائب التى حلّت بالمسلمين وهى إنشغال المسلمين بلمز إخوانهم ، وإغتياب أحبابهم ، وتعييب إخوانهم ، ونتيجة ذلك إثارة الأحقاد فى النفوس والإحن فى الصدور.. أمّا المسلمون الأوائل الذين نريد أن نكون على شاكلتهم إن شاء الله .. كانوا كما قال الله : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾( الحجرات: 10) عندما يعلمون بمُشادّة بين إثنين من إخوانهم ، لا يذوقوا طعم النوم حتى يصلحوا بين الإثنين :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

وهكذا يجب ان يكون حال المسلمين ، وليس كما يحدث الآن إذ يقول إخوانهم المسلمون : أتركوهم وشأنهم .. فإن تركت هؤلاء وهؤلاء لأصبح جميع المسلمين متقاطعين ومتخاصمين ، لذلك قال حضرة النبى : ( تر ى المسلمين فى توادّهم ــ ليس فى الصلاة أو فى الصوم ــ وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، إذا إشتكى منه عضوٍ تداعى له سائر الجسد بالسهروالحُمّى ) وبعد أن يخلصّ الإنسان نفسه من عباد الله ، يُحلىّ نفسه بذكر الله وتلاوة كتاب الله ، والصلاة على حبيب الله ومصطفاه .. والتسبيح والتهليل والتكبير لله جلّ فى عُلاه .. وهو بذلك يقول القول السديد الذى يصلح أحواله ويرفع شأنه : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ ( الأحزاب )

 ونريد جميعاً أن نجدد حالنا مع الله ، ونتوب إلى الله مما جنيناه 

طفنيس - إسنا - محافظة الأقصر - الأربعاء 18/11/2009 غرة ذى الحجة 1431هجرية

اعلان في الاسفل

All rights reserved to Sheikh Fawzi Mohammed Abu Zeid


Up