Advanced search

دروس Related

  • صلاة التراويح أهميتها وفوائدها

    More
  • المفطرات المعنوية الرفث و الفسوق

    More
  • المفطرات المعنوية-الغيبة والنميمة

    More
View all

New الدروس

  • صلاة التراويح أهميتها وفوائدها

    More
  • المفطرات المعنوية الرفث و الفسوق

    More
  • المفطرات المعنوية-الغيبة والنميمة

    More
اعرض الكل

Most visited

  • آداب العزاء للسيدات

    More
  • أحداث آخر الزمان والقضاء علي اليهود

    More
  • رسالة التمام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)ـ

    More
View all

آفة البخل وحب المال

Visits number:20 Downloads number:Not found
Download video Watch Download audio Listen
آفة البخل وحب المال
Print Friendly, PDF & Email
+A -A



آفة البخل وحب المال

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - الحمد لله الفتاح العليم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرؤوف الرحيم وآله وصحبه وكل من تمسك بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين بفضلك ومنك وجودك يا أرحم الراحمين.

فتنة المال

من أعظم الفتن التي يتعرض لها السالك فتنة المال وما يتبعها من الفتن التي سببها المال، فقد قال إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه: (أول ما نختبر به السالك في طريق الله المال، فإن نجا من هذه الفتنة فما بعدها أيسر منها، وإن لم ينج من هذه الفتنة فما بعدها شر منها).

والمال فتنة من فتن الدنيا، وفتن الدنيا كثيرة ومتشعبة لكن أعظم فتنها هو المال، حيث أنه لا غِنى لأحد في الدنيا عنه، فإن الإنسان إذا فقد المال حدث له الفقر الذي يكاد أن يكون كفراً، وإن وُجد ولم يكن معه عناية من الله حصل منه الطغيان الذي لا تكون عاقبة أمره إلا خُسراً.

وشر المال ما كان سبباً في معاصي الله، وخير المال ما كان مساعداً على طاعة الله، ولذلك حذَّر الله تبارك وتعالى المؤمنين الصادقين منه في كتاب الله فقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " (9المنافقون) وقال تعالى أيضاً: " إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَالله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " (15التغابن).

ونلاحظ أن الله عز وجل قدَّم فتنة المال على فتنة الولد لعظم ما تفعله بالإنسان إذا لم يمشي على منهج عباد الرحمن، ويكون من الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.

وقال صلى الله عليه وسلَّم مبيناً لنا وظائف الذين حولنا وننشغل بهم، ومنهم المال:

{ أَخِلَّاءُ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ، وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ إِلَى قَبْضِ رُوحِهِ، وَ الثَّانِي إِلَى قَبْرِهِ، وَ الثَّالِثُ إِلَى مَحْشَرِهِ، فَالَّذِي يَتْبَعُهُ إِلَى قَبْضِ رُوحِهِ فَمَالُهُ، وَالَّذِي يَتْبَعُهُ إِلَى قَبْرِهِ فَأَهْلُهُ، وَ الَّذِي يَتْبَعُهُ إِلَى مَحْشَرِهِ فَعَمُلُهُ }[1]

وحكى لنا نبينا صلى الله عليه وسلَّم ماذا تقول الملائكة وهم يشيعون الرجل إلى قبره، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إَذَا مَاتَ الميِّتُ تَقُولُ المَلائِكَةُ: مَا قَدَّمَ؟ وَتَقُوُلُ النَّاسُ: مَا خَلَّفَ؟ }[2]

ما خلَّف؟ يعني ما ترك؟ ولذلك الصحابة المباركين علموا وعرفوا هذه الحقيقة فكانوا الأسوة الطيبة والقدوة الصالحة، نسأل الله أن يرزقنا التأسي بهم وبأحوالهم أجمعين.

فهذا الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه يضع درهماً على كفه، ثم قال مخاطباً له: (أما إنك ما لم تخرج عني لا تنفعني) أي ما لم تخرج عني لعمل صالح أو صدقة جارية أو مثلها فإنك لن تنفعني يوم القيامة عند الله.

ورُوي أن التابعي محمد بن كعب القُرظي أصاب مالاً كثيراً، فقيل له: لو ادخرته لولدك من بعدك؟ قال: لا، ولكن أدخره لنفسي عند ربي، وأدخر ربي لولدي.

ورُوي أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عند موته دخل عليه ابن عمه مسيلمة بن عبد الملك، وقال: يا أمير المؤمنين صنعت صنيعاً لم يصنعه أحدٌ قبلك، تركت ولدك ليس لهم درهم ولا دينار، فقال عمر: أقعدوني، فأقعدوه، فقال: أما قولك لم أدع درهماً ولا ديناراً فإني لم أمنعهم حقاً لهم، ولم أعطهم حقاً لغيرهم، وإنما ولدي أحد رجلين: إما مطيعٌ لله فالله كافيه لأنه سبحانه يتولى الصالحين، وإما عاص لله فلا أُبالي على ما وقع.

وقال يحي بن معاذ رضي الله عنه: مصيبتان لم يسمع الأولون ولا الآخرون بمثلهما للعبد في ماله عند موته، قيل وما هما؟ قال: يؤخذ منه ماله كله ويُسأل عنه كله، لأن المال يتحول للورثة، والحساب يكون على المورث صاحب المال.

المال خير

لكن القرآن الكريم نظر لنا جماعة المؤمنين وتوسَّم فينا الخير، فذكر لنا المال في الجانب الخير الذي ينبغي علينا أن ننفقه فيه، فسَمَّ القرآن المال خيراً في مواضع كثيرة كقوله تعالى: " إِنْ تَرَكَ خَيْرًا " (180البقرة) وقال صلى الله عليه وسلَّم موضحاً ذلك:

{ نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ }[3]

وقال صلى الله عليه وسلَّم في كراهية التجرد بالكلية من المال بحجة الزهد:

{ كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا }[4]

إذاً نظرة القرآن والسُنَّة إلى المال أنه وسيلة للإنسان، إما وسيلة يتقرب بها إلى الله بالعمل الصالح الذي يفعله به، وإما وسيلة يهوي بها في جهنم إذا استخدمه على وفق حظه وهواه.

فالمال لا يُكره لذاته ولا يُذم لذاته، بل لما فيه من قواطع، ولما يطويه من شهوات تتيسر بوجوده وإنفاقه في غير الأبواب التي فتحها لنا الله لنرتقي بها في مقامات القرب من حضرته ويفتح لنا بها أبواب جنته.

ولذلك استحب القرآن والسُنَّة أن يكون المال في يد المرء على قدر الكفاية، والمال إذا زاد عن الحد يكون خطر عظيم على صاحبه إن لم يوفقه الموفق تبارك وتعالى، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم يقول:

{ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا }[5]

يعني رزق يوم بيوم، وقال صلى الله عليه وسلَّم فيمن كان همهم في المال، ويحبون المال حباً جماً:

{ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ }[6]

يعني إذا دخل في قدمه شوكة لا يجد ملقطاً يلتقط به الشوكة ليستريح منها.

فوائد المال

المال له فوائد وله آفات، أما فوائد المال فهي إما فوائد دنيوية أو فوائد دينية:

الفوائد الدنيوية هي معروفة لنا جميعاً، فلا يتحرك مجتمع وينشط ويعمر ويبني ويقيم الطرق والكباري والمصانع والمدارس وغيرها إلا بالمال.

وأما الدينية فهي أيضاً كثيرة، فقد يستفيد المسلم من المال في دينه لنفسه بأن ينفقه على نفسه في عبادة كأن ينفقه في السفر للحج إلى بيت الله الحرام أو أداء العمرة أو التجهز للجهاد في سبيل الله، أو يستعين به على عبادة من العبادات كالزكاة التي ينفق مالها ليرضي الله عز وجل على الفقراء الذين جعلهم الله عز وجل أصحاب هذا المال، فقد ورد في الأثر عن الله عز وجل: (الأغنياء وكلائي والفقراء عيالي، فإذا بخل وكلائي على عيالي أذقتهم نكالي ولا أُبالي).

وأمرنا الله أن نصرف أموال الزكاة في المصارف الثمانية الواردة في الآية القرآنية: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ " (60التوبة).

وقد يصرف الإنسان المال إلى الناس لينفع به الناس وذلك كأن ينفقه على هيئة صدقة، والصدقات تدفع سبعين باباً من البلاء عن صاحبها، قال صلى الله عليه وسلم:

{ الصَّدَقَةُ تَسُدُّ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ السُّوءِ }[7]

أو ينفقه كمروءة كأن يستضيف بعض أحبابه أو أهله زيادة في المودة والمحبة، أو يزورهم ويتودد إليهم، أو ينفقه وقاية لعرضه كأن يعطيه للشعراء أو السفهاء حتى يسلم من ألسنتهم، وقد قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَا وَقَى بِهِ الْمَرْءُ عِرْضَهُ كُتِبَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ }[8]

أو يعطيه كأجرة لاستخدام الناس في أعمال الخير وأعمال البر التي يكلفهم بها رغبة في رضاء الله تبارك وتعالى.

وقد يصرف الإنسان المال في خير عام كبناء المساجد وبناء المدارس والمستشفيات والكتاتيب وغيرها من وجوه البر والخير، ويجمعها جميعاً الأوقاف التي كانت هي العمل الاجتماعي الأصلي في مجتمعات المسلمين إلى يومنا هذا.

والمال فوق ذلك يجعل الإنسان المسلم عزيزاً، والله عز وجل جعل العزة لنفسه أولاً، فقال: " إِنَّ الْعِزَّةَ لله جَمِيعًا " (65يونس) ثم جعل العزة لرسوله وللمؤمنين فقال تعالى: " وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ " (8المنافقون) فالمال يُخلص الإنسان من ذل السؤال والحاجة ومن حقارة الفقر، ويمكنه من الوصول إلى العز والمجد بين الخلق وكثرة الإخوان والأعوان والأصدقاء ويعطيه وقاراً في المجتمع وكرامة في القلوب، ولذلك فإن المال بهذه الكيفية يحبه الله تبارك وتعالى على أن لا يكون الإنسان في ذلك يمشي على حسب هواه، وإنما ينفق المال في الأبواب التي وضحها كتاب الله، وبيَّنها بعمله وفعله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

آفات المال

أما آفات المال فهي:

أولاً: إذا زاد المال عن حده، أو إذا كان الإنسان يمشي وفق حظ نفسه قد يجره المال إلى المعاصي كأن ينفقه في المخدرات أو في المسكرات أو في الجري وراء النساء المومسات، أو فيما شابه ذلك من المنكرات والمخالفات، ومنها القمار، ومنها قطع الوقت فيما يغضب الواحد القهار، وذلك باب يجر الإنسان إلى النار، فيشتري الإنسان النار بماله الذي أعطاه الله له وسماه خيراً ليحظى بالنعيم بسببه وبرضا الله بإنفاقه.

ثانياً: قد يجر المال إلى التنعم بالمباحات التي ليست ضرورات بحجة أن الإنسان يعتبر أن المال ماله وهو حرُّ التصرف فيه، ولو كان الإنسان حر التصرف في ماله ما سُئل عن كسبه وإنفاقه، فإنه يُسأل عن كل مال سؤالين ذكرهما حضرة النبي يوم لقاء الله تبارك وتعالى:

{مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ }[9]

هل اكتسبه من حلال أم من حرام؟ وهل أنفقه في حلال ضروري أو في مباح غير ضروري؟ ويكون ذلك من باب الإسراف، والله عز وجل قال: " إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " (141الأنعام) أو قد يبذره هنا وهناك وقال الله تعالى: " إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ " (27الإسراء).

هذا فضلاً عن أنه لو مال إلى المباحات وهي الأشياء التي ليست ضرورية، ولكن لو صنعها الإنسان لا تكون معصية لله تبارك وتعالى، فقد تجره المباحات إلى الشبهات التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتقيها، قال صلى الله عليه وسلم:

{ فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ }[10]

وقد تجره الشبهات إلى المعاصي وهو لا يشعر، إذاً على الإنسان أن يقي نفسه هذه الفتنة ويعمل بقول الله في عباد الرحمن: " وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا " (67الفرقان) ذكر الله تبارك وتعالى أن للمال آفتان ينبغي أن يبتعد عنهما الإنسان والذي يتسبب فيهما المال، وهما الإسراف والتبذير في الإنفاق بغير داع شرعي، أو التقتير وهو البخل، وهو مرض يجره حب المال إذا استكن في قلب الإنسان، وأصبح الإنسان يحب المال ذاته، والمال وسيلة فيحبه الإنسان من أجل ما يقضي به حوائجه، ولا يحبه لذاته لأنه غير مقصود لذاته.

ثالثاً: قد يكون الإنسان من حبه للمال يجعل كل وقته وكل همه في ليله ونهاره مشغول بالمال، مشغول في جمعه وفي محاولة تنميته وفي محاولة تكبيره، وقد يلهيه ذلك عن ذكر الله وعن التفكر في آلاء الله، وذلك ما حذَّرنا منه الله تبارك وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ " (9المنافقون).

ومن لهاه المال عن ذكر الله، يعني عن إقامة الصلوات المفروضة في وقتها، وعن إخراج الزكاة من هذا المال، وعن إخراج حق الفقراء منه، وعن رزق المجاورين والمحبين منه، فإن هذا المال يكون وبالاً على صاحبه وليس خيراً له، فهذه آفات يجب أن نحرص عليها، وأبغض هذه الآفات هو البخل والطمع.

الشح والبخل

فإن حب المال لذاته يُنتج البُخل، والبُخل نتيجة للشح، والله تبارك وتعالى نهانا عن الشح فقال: " وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (9الحشر).

وحذَّرنا الله عز وجل من الإقبال على المال لذاته، فقال على لسان حبيبه صلى الله عليه وسلَّم:

{ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ }[11]

وبيَّن صلى الله عليه وسلَّم أن هذا الداء يلازم الإنسان حتى موته، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ }[12]

يعني كلما طال عمره كلما زاد حرصه وطمعه في المال، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم مطالباً المسلمين بالتخفف من ذلك:

{ طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَعَ }[13]

طلب منا القناعة والقناعة كنزٌ لا يفنى، وقال صلى الله عليه وسلَّم لمن يزعمون أن الغنى عن كثرة المال، أو كثرة الخيرات، كالعقارات والأرض وغيرها:

{ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ }[14]

وكثرة العرض أي الخيرات التي أشرنا إليها، ورُوي أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلَّم فقال:

{ يَا رَسُولَ الله عِظْنِي وَأَوْجِزْ، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا، وَاجْمَعْ الْيَأسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ }[15]

مرض البخل هو الداء العُضال، وضده السخاء الذي يطالب به الله المؤمن، فالمؤمن بالمال إذا مشى بما يرضي الله انتقل إلى مقام السخاء والإيثار الذي يحبه الله، وإذا أمسك على نفسه كان مرض البخل، قال صلى الله عليه وسلَّم في الصنفين:

{ السَّخَاءُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، فَمَنْ كَانَ سَخِيًّا أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا فَلَمْ يَتْرُكْهُ الْغُصْنُ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَالشُّحُّ شَجَرَةٌ فِي النَّارِ، فَمَنْ كَانَ شَحِيحًا أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْهَا فَلَمْ يَتْرُكْهُ الْغُصْنُ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ }[16]

أسأل الله تبارك وتعالى الحفظ والسلامة، وقال صلى الله عليه وسلم:

{ السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ، قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ، وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ، بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ، بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ، وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ }[17]

الوقاية من البخل

ولذلك وجَّهنا النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى منهج كامل نمشي عليه حتى يقينا الله من داء البُخل، وهو أشد داء يُذهب بالإنسان إلى جهنم ويباعد بينه وبين الجنة وأهل الجنة.

الأمر الأول: أمرنا صلى الله عليه وسلَّم أن نقتصد في المعيشة ونترفق في الإنفاق، وقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ }[18]

وفي بعض الأثر: (التدبير نصف المعيشة) أي أن الإنسان لا بد أن يحرص جيداً أن لا يُنفق قرشاً إلا فيما يرضي الله، فلو أنفق الإنسان ماله كله فيما يرضي الله لم يكن مسرفاً، وإذا أنفق قرشاً واحداً فيما يغضب الله صار مسرفاً، والدليل على ذلك سيدنا أبو بكر رضي الله عنه عندما جاء بماله كله، وقال له النبي صلى الله عليه وسلَّم:

{ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }[19]

فالإنسان المسلم الذي يمشي على منهج القرآن لا يبسط يده كل البسط، ولا يقبضها حتى لا يقعد ملوماً محسوراً، بل يُحكم تدبير أموره حتى لا يمد يده إلى غيره طرفة عين ولا أقل.

الأمر الثاني: إذا تيسَّر للإنسان ما يكفيه فلا ينبغي له أن ينشغل بهم الغد ولا بعد الغد، ولا كيف سيكون حاله بعد ذلك، لأن الله عز وجل لم يطالبني بعمل الغد حتى أطالبه برزق الغد، وأنا أعلم علم اليقين أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.

الأمر الثالث: يعود الإنسان نفسه على القناعة، بأن يستغني عما في أيدي الناس، فلا يمد يده إلى الناس ولو كان في أمسّ الحاجة إلى ما معهم، بل لا يسأل إلا الله ولا يرفع يده إلا إلى حضرة الله:

{ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ }[20]

ويعلم كذلك أن الحرص والطمع سيكونوا سبب ذل له إن لم يكن في الدنيا فعند لقاء الله عندما يحاسبه الله على ماله فيم أنفقه؟ ولِمَ لم ينفقه فيما يرضي الله تبارك وتعالى؟.

ولذلك قيل: (عز المؤمن استغناؤه عن الناس) وقيل: (استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره).

الأمر الرابع: أمرنا صلى الله عليه وسلَّم أن ننظر دوماً إلى من هو فوقنا في الدين حتى نحاول أن نصل إلى مرتبته ودرجته حاله ومقامه، وننظر إلى من هو دوننا في الدنيا لأن ذلك أدعى للقناعة وشكر الله عز وجل على ما أنعم به علينا، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكَ }[21]

السخاء والإيثار

ومن هنا فإن الإنسان المؤمن التقي النقي لا يزال يجاهد نفسه حتى يرتقي إلى رتبة السخاء، لأن الله عز وجل مدح الأنصار بالإيثار وهو السخاء فقال: " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (9الحشر).

قيل للحسن البصري: ما السخاء؟ قال: أن تجود بمالك في الله عز وجل، وقيل له: وما الإسراف؟ قال الإنفاق لحب الرياسة، أي للظهور وحب الظهور في الدنيا.

وضرب الله عز وجل لنا الأمثال في القرآن لهؤلاء الأنصار، فقد جاء ضيف لحضرة النبي، فطلب النبي أن يضيفه أحد من الأنصار، فأخذه رجل منهم وذهب إلى زوجه وطلب منها أن تُحسن إليه وتطعمه، وقال لها:

{ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ لَا، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ، قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ }[22]

ونزل قول الله تبارك وتعالى: " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " (9الحشر).

ورُوي أن قيس بن سعد بن عبادة مرض فاستبطأ إخوانه في زيارته، وكيف أنهم لم يأتوا لزيارته؟ وسأل من حوله، فقيل له: إنهم يستحيون منك مما لك عليهم من الدَين، فقال: أخذ الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً فنادى: من كان عليه لقيس بن سعد حق فهو منه بريء، قيل: فانكسرت درجته، أي كثُر زواره حتى انحشروا في عتبة بابه في العشي.

وهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، سُئل عند موته: مَنْ يُغسلك؟ فقال: يغسلني فلان، وكان تاجراً فقيل له: إن الشافعي أوصى بأن تُغسله، فجاء الرجل ثم قال: أين جريدته - يعني صحيفته التي يكتب فيها وصيته ماله وما عليه - فوجد عليه سبعين ألف درهم، فقال: عليَّ دينه وهذا غُسلي الذي طلبه الشافعي رضي الله عنه وأرضاه.

فالسخاء خُلقٌ طيبٌ في الإنسان، وأعلى درجاته هو الإيثار وهو أن يتسخَّى الإنسان بما يحتاج إليه، كما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار أوتي إليه يوم العيد برأس كبش فجلس مع زوجته وقال: يا أم فلان أرى أخي فلان أحوج إلي هذه الرأس منا، فقالت: اذهب إليه وأعطها له، فذهب وأعطاها له، فقال الرجل الثاني لزوجته: يا أم فلان أرى أن أخي فلان أحوج إلى هذا الرأس مني، قالت: اذهب إليه وأعطها له، قيل: دارت الرأس على سبعة بيوت من الأنصار ثم رجعت إلى الأول، فنعم الرجال رجال الأنصار، ونعم النساء نساء الأنصار، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حيث قال:

{ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ، وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ }[23]

لأنهم بلغوا درجة السخاء في دين الله سبحانه وتعالى.

نسأل الله تبارك وتعالى أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن لا يوطن الشُح في نفوسنا، وأن لا يجعل البُخل من طباعنا، وأن لا يجعل الإسراف والتبذير سبيلنا، وأن يجعلنا من القوم الذين يمتدحهم فيقول: " وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا " (67الفرقان).

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

*************************

 الجميزة – السنطة -الغربية 5 من محرم 1444هـ 1/9/2022م 1

[1] مسند أحمد والطبراني في الكبير والأوسط عن النعمان بن بشير رضي الله عنه

[2] رواه البيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله عنه

[3] صحيح ابن حبان عن عمرو بن العاص رضي الله عنه

[4] أخرجه ابن أبي الدنيا في (إصلاح المال)

[5] صحيح ابن حبان والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه

[6] البخاري وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه

[7] معجم الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله عنه

[8] الحاكم في المستدرك وسنن الدارقطني عن جابر رضي الله عنه

[9] سنن الترمذي والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

[10] البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه

[11] صحيح البخاري والترمذي عن أنس رضي الله عنه

[12] صحيح مسلم والترمذي عن أنس رضي الله عنه

[13] سنن الترمذي ومسند أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه

[14] البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

[15][15] مسند أحمد وابن ماجة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

[16] شعب الإيمان للبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه

[17] جامع الترمذي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه

[18] المعجم الأوسط للطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما

[19] جامع الترمذي وأبي داود

[20] جامع الترمذي ومسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما

[21] معجم الطبراني والأمالي الخميسية للشجري عن أبي ذر رضي الله عنه

[22] صحيح مسلم وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه

[23] البخاري ومسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه

اعلان في الاسفل

All rights reserved to Sheikh Fawzi Mohammed Abu Zeid


Up