Advanced search

دروس Related

  • صلاة التراويح أهميتها وفوائدها

    More
  • المفطرات المعنوية الرفث و الفسوق

    More
  • المفطرات المعنوية-الغيبة والنميمة

    More
View all

New الدروس

  • صلاة التراويح أهميتها وفوائدها

    More
  • المفطرات المعنوية الرفث و الفسوق

    More
  • المفطرات المعنوية-الغيبة والنميمة

    More
اعرض الكل

Most visited

  • آداب العزاء للسيدات

    More
  • أحداث آخر الزمان والقضاء علي اليهود

    More
  • رسالة التمام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)ـ

    More
View all

أنواع الجنان ودرجاتها وشروط دخولها

Visits number:1674 Downloads number:13
Download video Watch Download audio Listen
أنواع الجنان ودرجاتها وشروط دخولها
Print Friendly, PDF & Email
+A -A



 بسم الله الرحمن الرحيم 

 ﴿  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الارْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالارْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) ﴾   ( الذاريات )

بسم الله الرحمن الرحيم ..

 الحمد لله الذى أكرمنا أجمعين ، وجعلنا من عباده المتقين ، وجعلنا تارةً من أهل جنّة النعيم ، وتارةً فى جنّات ٍ وعيون ، وتارةً أخرى فى مقعد صدق ٍ عند مليك ٍ مقتدر ٍ.

والصلاة والسلام على إمام المتقين ، وسيد الأنبياء والمرسلين ، وقائد الغرّ المُحَجّلين يوم الدين ، وسابقنا إلى الجنّة ، ومفتاح دار السلام ، سيدنا محمد وآله خيار الأنام ، وصحابته مصابيح الظلام ، وكل من إهتدى بهديهم ، ومشى على نهجهم إلى يوم الزحام ، وعلينا معهم أجمعين .. آمين .. آمين يارب العالمين .

إخواني وأحبائي بارك الله عزوجل فيكم أجمعين :

القرآن الكريم يعلن عن سلعة الله الغاليه  وهي الجنه ولا يكتفي ببيان الجنه وإنما يصف لنا على قدر ما تتحمله عقولنا وتتقبله قلوبنا من نعيم الجنه الذي يقول فيه حبيبنا صلى الله عليه وسلم :( فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) .

 فلا يخطر نعيم الجنه على بال أحد من الخلق في الدنيا طرفة عين ولا أقل لأن كل ما ساقه الحق في القرآن تقريب للحقيقه لكي يشتري المؤمنين بأموالهم وأنفسهم  :

﴿ َجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالارْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ( آل عمرآن :133) , والجنة يا أحباب جنان عديده ، وليست جنّة واحدة  فهناك جنة عدن وهي محل التنزلات الالهيه والخصوصيه لجمال رب البريه لمن سيكون فيها من أهل الخصوصيه

 إذن فإن من يعلي الله قدرهم ويرفع شأنهم لن يكون نعيمهم الجنة وحسب وإنما النعيم الأعلى والأبهى والأغلى هو النظر إلى وجه الله عز وجل وهذا في جنة عدن .

 وهناك جنة أخرى إسمها الفردوس , وهناك جنة المأوى , وهناك جنة دار السلام ... جنان عديده لايستطيع وصفها الواصفون لأنهم إن وصفوها يحصروها , وقد خلقها الله عزوجل كلها لعباده المتقين وجعلها ميراثاً لنا للعمل الصالح الذي نقدمه لرب العالمين عزوجل .

وكل جنة منها لها سجل مخصوص وشروط مخصوصة لمن يريدها من أهل الخصوص ، وسنتكلم الليله عمن يريدون الجنان ومعها العيون ...

وهذه العيون لا يستطيع أحد وصفها ، ولا نعتها وهي ليست عيون آدمية ولكنها عيون ربانية تأتي للإنسا بكل ما تشتهيه نفسه من أصناف النعيم وألوان التكريم من الرب الرءوف الرحيم عزوجل فقال تعالى :

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ (الحجر:45) ولم يقل الله : إن المتقين سيدخلون جنات وعيون , لكنهم الآن وفي الوقت والحين في جنات وعيون ـ  كيف ؟ 

من يكون منا هنا في جنة الطاعة فإنه بذلك قد قدّمَ البضاعة  التي يستوجب بها جنة الله عزوجل يوم لقاء الله , فمثلا ونحن في الصلاة ، ونحن في هذا المجلس ، ونحن في هذا المسجد ماذا قال الحبيب لأصحابه عندما نادى عليهم ليحدثهم عن مثل هذا المجلس : (إذا مررتم برياض الجنة فإرتعوا ) وقد روى الحديث الإمام الترمذي رضي الله عنه : ( إذا مررتم برياض الجنة فإرتعوا )- وإرتعوا تعني إجلسوا ولا تستعجلوا – قالوا وما رياض الجنة  يا رسول الله , أي وهل رياض الجنة موجودة هنا في الدنيا ؟.. قال : ( نعم... فمرة يقول حلقة العلم , ومرة يقول حلقة الذكر , ومرة أخرى يقول مجالس القرآن ) وقد نوع لكي يعرّفنا أن كل ذلك جنانٌ في هذه الأكوان .

إذن فمن يجلس في مجلس علم فإنه في جنة , والجنة التي نحن فيها الآن قال الله فيها :

﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالارْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (آل عمران:133)

 لماذا ؟..لأن الآخره ليس فيها مسارعة فالكل يمشي فيها بقدر مقدور فهناك يوم الحساب وهناك يوم تطاير الصحف ، وهناك يوم العرض على الله ، وهناك يوم النشور، وهناك يوم المرور على الصراط وهناك يوم الميزان وبعد أن ينتهى الإنسان من كل تلك الأيام ، تزّفه الملائكة إلى الجنان بأمر من الرحمن عزوجل .

إذن نسارع ونجري من الدنيا ونجري من المشاغل والمشاكل ونجري من الملاهي والأهواء إلى جنة عرضها السموات والأرض ومعها مغفرة الله عزوجل في علاه , وذلك لأن من يحضر هذه المجالس ينال مغفرة الغفورعزّوجلّ ، وأنتم تحفظون الحديث .

 فالملائكة الذين يصورون هذا المجلس بالصوت والصورة ومع الصوت والصورة حركات القلب الداخلية ، عندما يذهبون إلى حضرة الله بعد إنتهاء الجلسة ويسلموه التقرير ماذا يقول العلى الكبير ؟.. يقول : ( أشهدكم يا ملائكتي أنى قد غفرت لهم ـ يقولون : إن فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة ، كأن جاء مناديا على أحد الحاضرين في المجلس فقال له إنتظرني حتى ينتهي الدرس ) فيقول رب العزه : هم القوم لا يشقى جليسهم ) .

إذن الجنة التي هنا في الدنيا هي التى تفتح أبواب الجنة التي هناك ومن لم يجلس في روضات الجنان هنا كيف يدخل الجنة هناك ؟..

إذن لابد وأن ندخل الجنة هنا في الحياة الدنيا جنة العلم , جنة الذكر, جنة الفكر في آلاء الله وكذالك جنة الطاعة لله جل في علاه , وطالما أنّ الإنسان يؤدي طاعة أوعبادة لله فهو في الآخرة .. لأن ربنا تكلم عن الدنيا فقال :

﴿  اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾.. عبارة عن خمسة أشياء وهم :

 ﴿  لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الامْوَالِ وَالاوْلادِ ﴾ (الحديد : 20) .

والمعنى أنك لو كنت في أحد هذه الأعمال فإنك في الدنيا : فإذا كنت في لهو يشغلك عن طاعة الله فأنت في الدنيا ، وإن كنت في لعب يشغلك عن آداء الصلاة في وقتها فأنت في الدنيا ، وإن كنت مشغولٌ بالزينة وكل همك في الملابس التي تلبسها والفرش التي تفرشها والمساكن التي تبنيها وشغلك ذلك عن طاعة الله وآداء فرائضه ، فأنت في الدنيا .

 كذلك إن كان كل همّك في الفخر والإفتخار بما فعلته فماذا تكون ومن تكون في هذه الدنيا ؟..

إننا جميعاً قائمين بستر الله وإكرام الله وعطاء الله جل في علاه ، فمن منا الذي ينبت ما زرعه وينميه ومن منا الذي يخرج ثمار هذا الزرع ويُشكلهُ وعليه ؟...كل ما علينا أن نضع البذرة وحسب , والبذرة نفسها الذي صنعها فى البدء هوحضرة الله ، وقد جعل الله في هذه البذرة خريطة لكل ما تنتجه للخليقة : أنها سيخرج منها ساق ، وكم عدد فروعه ، وكم ثمرة وحجم كل ثمرة وطعمها ومن سيأكل هذه الثمرة أو تلك في وقت كذا :

﴿  صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (النمل :88)   . 

﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ◌ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾ (الواقعة: 64،63) , والماء.. من الذي يأتينا به ؟..الله .. وكل ما علينا هو محاولة الحصول على الماء ولكن هل يستطيع أحد منا تصنيع الماء؟ كلا نحن فقط نحاول الحصول عليها إن كان من البحار أو من باطن الأرض , ولكن من يجريها ويجعل العذوبة فيها ؟ .. هو رب العالمين عزوجل .

إذن فنحن جميعاً في الدنيا مصيّرين بأمر من يقول للشئ كن فيكون في كل الأحوال وهذا مثال ،أنّ   الإنسان إن كان في واحدة من هذه الخمس فهو في الدنيا .

وإن كان في غير الخمسة مثلاً :

إن كان يصلي فهو في الآخره , وإن كان في مجلس علم فهو في الآخره :

 ﴿ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ﴾ ( آل عمران : 153) أي عندما يدعوكم الرسول إلى الله فأنتم في الآخره وكذالك ثواب الرسول وورثة الرسول من العلماء العاملين وأهل الخشية لله في كل وقت وحين إلى يوم الدين .

وكذالك إذا كنت أجلس القرآن ولو بمفردى فكيف يكون  مجلسا ً ؟.. لو قرأت القرآن تنزل الملائكة تحف بي وتستمع لتلاوتي وأنتم تعرفون الصحابى الجليل سيدنا أسيد إبن حضر رضي الله عنه كان يقرأ القرآن في صالة المنزل وبجواره إبنه يحي نائم وفرسه مربوط و أثناء هذه القراءة لاحظ أإن الفرس يتحرك حركة سريعة فخاف على إبنة من الفرس ، وعندما نظر لأعلى وجد سحابة بها ثريات مضيئة فاقشّعر بدنه وخاف ، فطوى المصحف وذهب إلى رسول الله يستفتيه في الأمر ، فقال له صلى الله عليه سلم : ( تلك الملائكة كانت تستمع لتلاوتك للقرآن ولو واصلت التلاوة لمكثوا حتى يطلع النهار ورآهم الناس أجمعين )

إذن عندما أقرأ القرآن وحدي تأتيني ملائكة الله عزوجل وبذلك يكون مجلسى مجلسا ً من رياض الجنة .

فإذا كنت تريد أن تكون من أهل الجنان العالية عليك أن تضع نفسك دائماً فى روضة من رياض الجنّة ، وتنتقل من روضة ٍ إلى روضة .. مثلا ً :

من مجلس علم ٍ إلى مجلس ذكر ٍ إلى مجلس تلا وة قرآن إلى مجلس عمل خير ٍأو بِرّ ٍإلى مجلس صُلح ٍ بين متخاصمين ، أو لعيادة مريض أو لتشييع جنازة .. ويسبق ذلك كله نيّة صادقة ٌ أن يكون هذا العمل لوجه الله عزّ وجلّ .

 ﴿  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ◌ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ  ﴾ (الذاريات : 15 ،16) :

هناك قومٌ يدخلون الجنّة .. والذى سيقوم على خدمتهم ملائكة الجنّة : ﴿  وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴾ (الرعد : 23) .. وكذلك الحور يقدمون لهم القصور ، وما لذّ وطاب من الطعام والشراب .

وهناك قومٌ سيكونون فى جنّة أخرى ، لا يناولهم إلا ّ الحق عزّ وجلّ ، وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الذى تخدمه الملائكة ، والذى يعطيه الحق عزّ وجلّ : ﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ ( الذاريات : 16) .. ومن يريد أن يأخذ النعيم من يد الكريم بذاته .. ماذا يفعل ؟ .. الأعمال التى ذكرها الله ..

فالجنّة جنان ، والمؤمنين درجات عند الرحمن .. وعليك أن تعلى همتّك وتحاول أن تكون فى الدرجات العُليا من الجنّة .. ومن هم فى أعلى الدرجات ،  يتولى الله شئونهم بذاته ، وبالمثال يتضح المقال :

إذا زار أحدنا أحد الأغنياء من يملكون القصور والخدم .. هل من الأفضل أن يخدمه الخدم .. أم  صاحب المنزل ؟ . بالطبع صاحب المنزل .. فالضيوف العاديين ، يأمر الرجل الخدم بتقديم الطعام والشراب لهم ، وقد لا يجلس معهم .

أمّا الضيوف المتميزين ، فيشرف الرجل على خدمتهم بنفسه ، لكى يبين لهم قدر محبته لهم .

ونحن حتى فى بيوتنا العادية ، عندما يأتينى الضيف ، آمر أبنائى بخدمته ، أمّا الضيف العزيزفأقوم بخدمته بنفسى ، لكى أبين له معزّته ومكانته عندى .

إذن فقد جعل الله عزّ وجلّ منازلا ً فى الجنان ، فوق الجنان ، إسمها منازل الرضوان :

﴿  وَرِضْوَانٌ مِنَ الله أَكْبَرُ ﴾ (التوبة : 72) وهى فوق الجنّة ، ولا يدخلها إلا ّ المتقين .. ومن الذى يقوم لهم بالخدمات التى يحتاجونها ، والطلبات التى يشهتونها ؟ .. رب العزّة بذاته .. ولا تسأل عن الكيف ، لأنه أمرٌ فوق نطاق العقل ، ولا يستطيع أن يكتبه النقـل ، لأنها أمورٌ غيبية إلهية ، يذوقها أهل المقامات عندما يدخلون هذه الدار الرضوانية ، فى جوار ربّ البريّة عزّ وجلّ ..

ومن يريد هذه الجنان يجب أن يكون له قيام بين يدى الله كل ليلة ، وإيّاكم أن تظنّوا أن القيام فى الثلث الأخير من الليل فقط .. نعم هو أفضل ، لكننا فى هذا المجلس الآن فى قيام ، لأن قيام الليل يبدأ من أول الليل ولا يشترط فى القيام الصلاة .. المهم أن يكون هناك عملٌ صالحٌ لحضرة الله ، فقد يكون الإنسان نائما ً ولكنّه كما قال الحديث :( رُبّ َنائمٌ خيرٌ من قائم ) .

 مثل الإمام الشافعى رضى الله عنه عندما ذهب إلى سيدنا أحمد بن حنبل رضى الله عنه ، والذى  وكان يحدّث إبنته عن الإمام الشافعى كثيرا ً لأنه كان يحبّه ، وفى الصباح قال لها : ما رأيك فى الشافعىّ ؟ .. قالت رأيت فيه ثلاث خصال ليست فى الصالحين ,, قال لها وماهى ؟

قالت : الخصلة الأولى أنه لم يقم الليل ، مع أنه يقظ ويتململ على فراشه .

والخصلة الثانية رأيته يقوم لصلاة الفجر بغير وضوء .والخصلة الثالثة عندما قدمت له الطعام فى العشاء أكل كثيرا ً ، وعادة الصالحين الإقلال من الطعام .

قال لها نسأل الشافعى لكى نتـثبت من هذا الكلام . وعندما سأله قال :

أمّا الأولى فإنّى حللت فى هذه الليلة مائة مسألة فقه كلهّا تهّم المسلمين .. فما هو الأفضل ؟ صلاتى لنفسى .. أم حلّ مشاكل المسلمين ؟

إذن من كان فى عمل ٍيهمّ المسلمين ، فهو أفضل من العبادة والطاعة التى يؤديها الإنسان لنفسه ، ولو كان من كمّل العابدين ..

مثلا ً واحد سيصلىّ  من بعد العشاء إلى الفجر ، وآخر يعرف أنّ هناك إثنين متخاصمين فيذهب إليهم ، ليصلح بينهم فى ساعةٍ ثم يعود لمنزله ، وينام .. فأيّهما الأكثر فى العبادة ؟

الذى أصلح بين المتخاصمين ، قال فيه صلى الله عليه وسلم : ( ألا أدلكمّ على ماهو خيرٌ لكم من الصلاة ـ أى الصلاة النافلة ــ والصيام والصدقة والحج ــ النوافل ــ قالوا بلى يا رسول الله .. قال : إصلاح ذات البين ) ، فمن يفعل ذلك ، فإنّ أجره أكثر وأعظم من الذى يقضى الليل فى صلاة والنهار فى صيام ويكثر من الصدقات ويحج نوافل كل عام ، وذلك لأن منفعته قد تعدّت إلى غيره من إخوانه المسلمين

شيءٌ آخر لأن الصلح لا يستطيع كل الناس فعله ، وقد روى الإمام الخرائطى رضى الله عنه فى مكارم الأخلاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من مشى فى حاجة أخيه ، قيّض الله له سبعين ألف ملكٍ يظلّونه حتى يفرغ ، فإذا فرغ كتب له أجر حجّة مقبولة وعمرة مقبولة )

وقد أخذ المرء ذلك الأجر لأنه مشى فى حاجة مسلم ، ثم يقول رسول الله فى حديث آخر : ( من مشى فى حاجة أخيه المسلم ، قُضيت أم لم تّقضَى ، كنت واقفا ً عند ميزانه يوم القيامة ، فإن رجحت كفة حسناته ، وإلا ّشفعت له ) .. إذن فقيام الليل يعنى إحياءه فى طاعة الله ، وكما قلت فإن خير الطاعات هى التى تتعدّى الإنسان فى عباد الله ، وهذا هو الميزان

أمّا العمل الصالح فهو مطلوب ، فلو لم يكن هناك مصلحة لخلق الله ، وقد قال فيه حضرة الله : 

 ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ﴾ (فصلت : 46) أمّا هذا فلك ، وأمّا أن تعمل لغيرك ، فإنه لك ولغيرك ، وهو الأنفع والأرفع والأعظم فى نظر الله ، وفى نظر رسول الله ، ودين الله عزّ وجلّ .. وأنا أقول ذلك كثير من شبابنا من يعتقد أن القيام هو قيام الليل بالصلاة ، ثم بعد ذلك يذهب إلى عمله فى الصباح وينام في عمله ، وذلك ليس من الإسلام فى شيء ، إذ لا بدّ وأن يكون هناك توازن ، فإن كان لك قيام بالليل ، فيجب أن تقوم بالعمل الذى فرضه الله علي المسلمين ، وعلى المؤمنين ، وعلى الأطهار وعلى الأبرار كأصحاب النبى المختار صلى الله عليه وسلم ، رضى الله عنهم ، فقد كانوا فى الليل كالرهبان فى طاعة الله ، وفى النهار كالسباع فى طلب الأرزاق الحلال ، وفى السعى إلى نشر دين الله ، والعمل الصالح النافع لهم ولإخوانهم فى هذه الحياة .. وهذا هو مبدأ الإسلام الذى أقره المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .. ولنفرض أن الإنسان سيقضى الليل نائم ، لكن لسانه يتحرّك بذكر الدائِم ، فإنه أيضا ً قيام ، لأنه لو نام وهو يذكر الله ، فإنّ الحبيب يقول فيه : ( من نام على ذكر الله ، كُتبَ طوال ليلته هذه قائما ً ذاكرا ً، فإذا استيقظ قالت له الملائكة ، قم فإنّ لك دعوة لا تُردّ)   والذكر هنا بأىّذكر: كأن يستغفر أو يسبح أو يصلىّ على حضرة النبى ، أو يقرأ ما تيّسر من آيات الله ..

المهم أن يستغرق فى أى ذكر ٍإلى أن ينام وهنا يكُتب طوال الليل قائما ًولم يقل ذاكرا ً فقط ، ولكن قائما ً ذاكرا ً .. وهذا من فضل الله علينا ببركة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتّم السلام .

وإذا أردتُ أن ألحق هؤلاء بعمل يسير وبسيط فإنّ الحبيب قد قال :

 ( من صلى الصبح فى جماعة ، والعشاء فى جماعة ، فكأنما أقام الليل كله ) ، وهذا عملٌ بسيط لكن لمن أراد أن يحافظ على هذه المنزلة ، ومن يفعل ذلك يدخل فى قول الله :

 ﴿ كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) ﴾ ( الذاريات)  ويجب على الإنسان أن يجعل له وقت السحر ، قبل الفجر بعض الإستغفار وذلك لأنه وقت القبول ، ويتجّلى فيه الغفار لكى يغفر الذنوب ، وينادى فى هذا الوقت ، ويقول لك : ( هل من تائبٍ فأتوب عليه ، هل من مستغفرٍ فأغفر له ، هل من مبتلى فأعافيه ، هل من مسترزق فأرزقه .. هل من كذا .. هل من كذا حتى مطلع الفجر ) .. وهو بذلك لا ينادى على الملائكة ، فهم لا ينامون ، وإنّما ينادى علينا نحن ، فهل ينادى علينا فيجدنا نا ئمين ، ثم بعد ذلك نطمع فى فضل ربّ العالمين ؟ ..

إذن يجب أن يكون للمسلم فى اللحظات التى قبل الفجرنصيب من الإستغفار حتى ولو كان نائما ً عليه فعندما يسمع مبشرّات الفجر حتى ولو كان غير قادر على القيام ، أن يستغفر الله وذلك حتى يدخل فى قول الله :

 ﴿ وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ ( الذاريات : 18) ويكون فى الجنّة العالية التى يتولىّ الله رعاية أهلها بذاته عزّ وجلّ

 ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ ( المعارج : 24 ،25) وعلى المؤمن أن يؤدى ماعليه من الزكاة ، فإن كانت زروع :  وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ  ( الأنعام : 141) ، وأحسب الحسبة كما يريد الله .. لا كما أريدها أنا أو كما يريد عيالى .. لأن الله يتقبّل من المتقين ، وكما قال الحبيب :

 ( إنّ الله طيّبٌ لا يقبل إلا ّ طيبا ً) .

ويحبّ أيضا ً أن أزيد عن الزكاة ، فيكون لى نصيب معلوم أجعله للحىّ القيّوم للفقراء .

وإذا مشى الإنسان على هذه الوتيرة ، وإستمّر على هذا الحال ، فإننا نبشره ويبشرّه الله أنه يوم القيامة من الذين فى جنّات وعيون تأتيهم الأرزاق الإلهية ، والنعيم الربّانى عن طريق عيون يجريها لهم الله ، وليس على يد ملائكة الله لأن الذى يتولاّهم هو الله جلّ فى علاه.

نسأل الله عزّ وجلّ أنه يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وانّ يحوّل حالنا إلى أحسن حال ، وأن يجعلنا من الذين إذا أحسنوا إستبشروا ، وإذا أساءوا إستغفروا ، وأن يجعلنا من الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ، وأن يهيء لنا أداء الطاعات ، ويحبب لنا فى قلوبنا فعل العبادات ، ويجعلنا فى هذه الحياة ممن يستبق الخيرات ، ويرزقنا فى كل أنفاسنا حبّ سيد السادات ، ويكشف لنا الحجاب عن جمال وجهه ، حتى نتحلىّ بجمال محيّاه ، فنكون معه يوم القيامة تحت لواء شفاعته إن شاء الله ، ونحشر فى جواره فى دار السلام ... 

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

طفنيس –  بعد صلاة العشاء – المسجد العتيق   يوم الإثنين 16-11-2009

اعلان في الاسفل

All rights reserved to Sheikh Fawzi Mohammed Abu Zeid


Up