المذيع: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولقاء يتجدد مع حضراتكم في قصة سورة، مشاهدينا الكرام وصلنا مع حضراتكم في هذه الحلقة مع المحطة الأخيرة من سلسلة حلقاتنا عن احتفالنا بالمولد النبوي الشريف، يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " (107الأنبياء) يسعدنا أن يكون ضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبو زيد الداعية الإسلامي الكبير.
فضيلة الشيخ نتكلم في هذه الحلقة عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم على الإنسان والحيوان والجماد والجن والإنس.
الرسول صلى الله عليه وسلَّم جعله الله سبحانه وتعالى كما قال على لسان حضرته:
رحمة أهداها الله لجميع خلق الله، والآية الكريمة: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ " (107الأنبياء) والعالمين كل ما سوى الله، فكل ما سوى الله له نصيب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
رحم الله تبارك وتعالى به صلوات ربي وتسليماته عليه الإنسان أولاً من عبادة الأصنام والأوثان، ومن عبادة الكواكب والنجوم، ومن عبادة الحيوانات والحشرات إلى عبادة الله تبارك وتعالى، فهو التوحيد الخالص لدين الله، ولا تجده في أي دين سواه.
فحرر العقول كلها من هذا الشرك الذي لا يرتضيه إنسان عاقل، وجعلها كلها تؤمن بالله الخالق المصور سبحانه وتعالى.
تشريعه رحمة
رحم به الله عز وجل الإنسان في المعاملات والتشريعات التي قننها حتى لا تحدث هناك خلافات بين الخلق أجمعين، وأشير إلى تشريع واحد، فإن الناس جميعاً كما قال الله: " وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا " (20الفجر) ويختلفون على المال ما لايختلفون فيه على سواه، بل يتقاتلون بسببه في كل الأنحاء، فلو تُرك الأمر كما كان في الأديان السابقة ولم يحدد قوانين للتوارث لكانت هناك مشدات وتناحرات ومنازعات لا عد لها ولا حد لها، لكن لأن هذا أمر هام للإنسان فإن التشريع الوحيد الذي ذُكرت تفصيلاته في القرآن هو المواريث، فكل صغيرة وكبيرة تجدها في كتاب الله حتى لا يختلف الناس أبداً.
وهكذا في الزواج وهكذا في الطلاق وهكذا في البيع والشراء، كل الأمور الحياتية لم تُذكر كاملة حتى لا يختلف الناس فيها إلا في الديانة الإسلامية، أما الديانات السابقة لم تكن فيها هذه الأمور بهذا التفصيل الذي جاء به النبي في هذا النور؛ نور شريعة الله تبارك وتعالى.
وأمر الإنسان كذلك فيما بين بني البشر بأن يكون هناك حق لكل مسلم على كل مسلم، أن يسلم عليه إذا لقيه، وأن يعوده - أي يزوره - إذا مرض، وأن يشيع جنازته إذا مات، وأن يسره إذا كان عنده فرح، وأن يعزيه إذا كان حزيناً، وأن يعينه إذا احتاج، وأن يقف بجانبه إذا كان في شدة، كل هذا لتقوية العلاقات الاجتماعية، حتى رسم مجتمع المؤمنين فقال:
لم يقُل في صلاتهم وصيامهم، ولكن قال: في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، ومنذ قطع المسلمون هذه الصلات بينهم نشبت - كما نرى - الخلافات والصراعات في داخل هذه المجتمعات، فجاء بسعادة بني الإنسان في الدنيا، وفوزهم ونجاتهم في الدار الآخرة.
رحمته لكل الكائنات
كذلك كان صلى الله عليه وسلَّم رحمة لكل الكائنات، أوصى أننا إذا أردنا أن نذبح شيئاً لنأكله فقال:
كيف نُحسن الذبحة؟ تسقيها أولاً، ولا تذبحها أمام أخواتها فإن ذلك يؤذيها، ولا تريها السكين حتى لا تعرف أنها ستُذبح، وترقدها على جانبها الأيمن بلطف ثم تذبح.
وقد ذكر العلماء الأوروبيين في أبحاثهم أن كلمة (بسم الله) إذا نطق بها الإنسان وهو يذبح الحيوان تكون كمخدر له فلا يشعر بألم الذبح، رحمة به من سيد بني الإنسان صلى الله عليه وسلَّم.
يعني اثنين يتكلمان مع بعضهما في الطريق، فلا يتكلمان وكل واحد منهما جالس على ركوبته، فعند الكلام ينزلا ويريحا الركوبة، فإذا انتهيا يركبا.
كذلك لا تجيعوها ولا تُحِّملوها فوق طاقتها كما نرى من بعض من يستخدم العربات الكارو هداهم الله، وإنما يُحمِّلها ما تطيق، ولذلك رُوي أن أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عن موته قال لجَمَله: أيها الجمل لا تشكُني غداً إلى ربك، فإني لم أُجيعك، ولم أُحمِّلك فوق طاقتك.
وانظر إلى رحمة هذا النبي، فعن السيدةعائشة رضي الله عنها قالت:
فهذه دخلت النار في تعذيب هِرة، وهذا دخل الجنة في الرفق بكلبٍ سقاه رفقاً كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بجميع الحيوانات.
بل أمر صلى الله عليه وسلَّم بالرفق حتى في الجمادات، والرفق حتى بكل الكائنات التي حولنا، فقد كان صلى الله عليه وسلَّم ذات يوم على جبل أُحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، واهتز الجبل فرحاً بوقوف هؤلاء النجوم عليه، فقال صلى الله عليه وسلَّم:
فعلم أصحابه أن كل ما في الأرض يسبح الله، فعن أبي ذر رضي الله عنه:
{ إِنِّي لَشَاهِدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَلْقَةٍ وَفِي يَدِهِ حَصَيَاتٌ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، وَفِينَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، يَسْمَعُ تَسْبِيحَهُمْ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ، ثُمَّ دَفَعَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَسَبَّحْنَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ يَسْمَعُ تَسْبِيحَهُنَّ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ، ثُمَّ دَفَعَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَرَ، فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ يَسْمَعُ تَسْبِيحَهُنَّ مَنْ فِي الْحَلْقَةِ، ثُمَّ دَفَعَهُنَّ إِلَى عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُنَّ إِلَيْنَا فَلَمْ يُسَبِّحْنَ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا }[10]
" وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ " (44الأنبياء) ما دامت كل الجمادات تسبح الله، إذاً يجب علينا أن نعاملها برفق وحنان وشفقة كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
رحمته للخلق في الآخرة
المذيع: كيف تكون رحمته للناس كافة في الآخرة؟
رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم للناس في الدنيا والآخرة، فكل أمة كانت عندما تكذب رسولها كان ينزل عليهم العذاب فوراً، فلما جاء صلى الله عليه وسلَّم رفع الله العذاب عن أمته، وقال تبارك وتعالى: " وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ " (33الأنفال) رفع عذاب الاستئصال وعذاب الغرق وعذاب الحرق وعذاب الصعق في الدنيا عن الكافرين، لأنه وُجد صلى الله عليه وسلَّم.
وفي الآخرة فإن الناس عندما يجتمعون في الموقف العظيم ينتظرون الحساب ويكونون في أشد الهول؛ هول لا نستطيع وصفه، ويتمنون الخروج من الحساب ولو إلى النار، فيذهبون إلى الأنبياء نبياً تلو نبي لينقذوهم مما هم فيه، يذهبون إلى آدم فيقول: اذهبوا إلى نوح، فيذهبون إلى نوح فيقول: لست لها ولكن اذهبوا إلى إبراهيم، فيذهبون إلى إبراهيم فيقول: لست لها، اذهبوا إلى موسى، فيذهبون إلى موسى فيقول: لست لها اذهبوا إلى عيسى، فيذهبون إلى عيسى فيقول: لست لها إذهبوا إلى محمد، فيذهبون إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم فيقول:
فيشفع في أهل الموقف أجمعين في بداية الحساب لينقذهم من هذا العذاب.
أما شفاعته للمؤمنين فلا تُعد ولا تُحد في الدنيا ويوم الدين، ورحمته بأمته في الدنيا لا نستطيع عدها وهي كلها تنطوي نحو التخفيف عن المسلمين إن كان للمسافر في الصلاة، أو للمريض في الوضوء والصلاة، أو للمريض في الصيام، أو لعدم الاستطاعة في الحج .. كل هذه رحمةٌ بهذه الأمة في الدنيا وغيرها.
تراحم المسلمين
المذيع: وماذا عن رحمة الأمة ببعضها البعض؟
هذه الأمة الإسلامية أوصاها النبي صلى الله عليه وسلَّم بأن تتراحم فيما بينها، بأن يرحم الكبير الصغير، وأن يوقر الصغير الكبير، وأن يرحم الزوج زوجته، وأن تُشفق الزوجة على زوجها، وأن يرحم الوالدين صغارهما وهم في شبابهم، وأن يرحم الأولاد آباءهم عند كبرهم ليؤدوا بعض ما كان لهم عند صغرهم، لأن الله عز وجل جعل إجابة الدعاء مشروطة بالرحمة.
فإن الله عز وجل لا يستجيب الدعاء بمجرد قراءة الدعاء، أو الدعاء في الصلاة، أو الدعاء في جماعة، أو الدعاء في حرم الله، ولكن أقرب الدعاء إجابة إلى الله ما قال فيه صلى الله عليه وسلَّم:
حتى ولو لم تدعوا، حتى ولو لم تتحرك أفواهكم بكلام، لكن بمجرد وجود الرحمة بين الأنام تأتي الرحمة من الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى.
ولذلك حتى يُقرب الله لنا هذا الخُلق الجميل جعل هناك بيننا صلة رحم، أي نصل أرحامنا وهم أقاربنا من الدرجة الأولى والثانية إلى آخره، وقال فيهم الله تبارك وتعالى:
وأُذكِّر أحبابي وإخواني المسلمين أجمعين بتجديد صلة الأرحام، وخاصة الأرحام التي تتعلق بالأب كالأعمام والعمات، والأرحام التي تتعلق بالأم كالأخوال والخالات، فضلاً عن الإخوة والأخوات.
هذه أرحام يجب أن تتواصل، ويكون التواصل لله، فإن الذي قطع هذه الأرحام كما نرى في بعض الجهات أنها تتواصل لمأرب دنيوي أو لطلب شخصي ذاتي، فإذا انقضى هذا الطلب وانقطع هذا المأرب انقطع هذا التواصل.
وكذلك البعض يجعلها كما يقولون: نقر بنقرة، يعني لِمَ لا تزور أخاك فلان، يقول: أنا زرته مرة ولم يردها، وهذا لا ينبغي أن يكون بين ذوي الأرحام، أنا أزوره لله، وأنتظر الأجر من الله لا منه، سواء أتى أو لم يأتي، أنا أصِلُه لله ولا أنتظر ردَّ هذا الشيء، إن وصلته بمعونة في فرح أو وصلته في عزاء، يجب أن يكون التعاون بيننا لله، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
نسأل الله عز وجل أن يعمنا برحماته، وأن يجعلنا واصلين لأرحامنا، متواصلين مع أقاربنا، وأول أقاربنا المسلمين والمسلمات.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
القناة السابعة – التلفزيون المصري - برنامج قصة سورة25 من ربيع الأول 1444هـ 21/10/2022م 1
[1]الحاكم في المستدرك والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه
[2]صحيح البخاري ومسند أحمد عن النعمان بن البشير رضي الله عنه
[3] سنن الترمذي والنسائي عن شداد بن أوس رضي الله عنه
[4] مسند أحمد والحاكم في المستدرك عن أنس رضي الله عنه
[5] سنن الدارقطني وأبي داود عن عائشة رضي الله عنها
[6] سنن الترمذي والنسائي عن شداد بن أوس رضي الله عنه
[7]مسند أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه