Visits number:445
Downloads number:9

الجهاد الموصل إلى صورة رسول الله المعنوية التى بها تنال الولاية والمعرفة .
أنشد المنشد :
غنى ذكرنا جمال محمدٍ واشرحن أسراره يا مرشدى
لأنه الجمال الذى يحبه الواحد المتعال ولا يقبل الله فى حضرته ولا يتوج أحدا ً بتاج معرفته ، إلا ّ إذا جاهد نفسه حتى صار نموزجا ً ومثالا ً على قدره لهذا الجمال ، وهذا هو جهاد العارفين ، وجهاد الصالحين ، وجهاد المقربين ، وهذا مفتاح من يريد ولا ية الله ، وأن يُتوّج بتاج البَهَا من حضرة الله .
فالنفس تُزيّن لكل إنسان : أنه لا مثيل له فى أخلاقه وصفاته وحُسْن تفكيره ، ولا فى حسن تدبيره ، ولا دهائه ولا حيَلِه ، وكل واحد يظنّ فى نفسه ذلك .
مع أنّ من يريد مفتاح الولاية عليه أن ينظر إلى جمال الأوصاف المحمدية .. وليس جمال الصورة الآدمية .. فليس فى شأن لنا بها .. فإنها من صنع الله .. فهل يوجد فينا من يستطع تصوير هذا الوجه وهذه التقاطيع على صورة رسول الله ؟ .. مستحيل :
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الارْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ ( آل عمران : 6) لكن كل واحد ٍهو الذى يصوّر لنفسه الصورة المعنوية ، والتى هى محل نظر الذات العلية .. فليس محل نظره جسمك لأنه هو الذى صوّره وصنعه ، لكن محل نظره الصورة التى كوّنتها أنت ، الصورة المعنويّة الربانية الروحانية والتى تلوح للناس وتُتْرجِمْ فى سلوكياتك ، وفى أخلا قك ، وفى معاملا تك .. هذه الصورة لا يراها أحدٌ بالعين المجردة ، ولكن يُرَى آثارها فى السلوك ، وفى التعامل ..
فكل واحد ٍ له صورة عند الناس معروفة ، كأن يقولوا : أنّ فلان هذا سريع الغضب أو أنّ فلان هذا لا يكتُمَ سِرّ أحد ٍ، أو أن فلا ن هذا متغطرس ومتكبّر على خَلْقِ الله .. ولكى يُقبل الإنسان فى الحضرات الإلهية لا بدّ وأن يجاهد إلى أن يطبع هذه الصورة المعنوية على الصورة المحمدية .
فإذا تعاظمت أن تمحو أخلاقك ، وتجمّل مكانها أخلا ق رسول الله .. فلا تطمع فى شيءٍ ، لأنك بذلك تملك عزّة فرعون .. فأنت لا تريد أن تمحو الصورة الجاهلية التى فيك ، وتضع محِلّها صورة رسول الله .. لأنك تلبست نفسك بزهّوٍ وغرور ٍ وهى صورة غير موجودة فى أخلا ق حضرة الرسول .. فقد كان متطامنا ً متواضعا ً ، وعندما كانوا يقفون له عند قدومه يقول لهم :
( لا تقوموا لى كما تقوم الأعاجم لملوكهم ).
والحديث به ملحظٌ لا يفقهه إلا ّ العارفون .. إستنبط منه الجاهلون أنه لا يجب أن يقوم أحدٌ لرسول الله ، وهذا غير صحيح .. والمقصد الصحيح :
أنه لا يجب أن يكون قيامكم من أجل الجبروت أو المُلك كما يقوم الأعاجم لملوكهم خوفا ً من أجل هذا السبب .. .. إذن فكيف تكون كيفية القيام لك يا رسول الله ؟
قال : عن محبة ٍ وإحترام .. أن تقوم من نفسك فلا يجبرك أحدٌ على ذلك .. وهذا ما قال فيه الصدّيق الذى كان على هذا الفقه :
قيامى للحبيب علىّ فردٌ وترك الفرد ما هو مســــــــــــتقيمُ
عجبت لمن له عقلٌ وفهمٌ يرى هذا الجمال ولا يهيـم
والجمل هنا ليس جمال الصورة الحسيّة ، وإنّما جمال الأوصاف المحمديّة وجمال الروح العلوية التى تسكن فى الحقيقة المحمدية .
فجمال الروح هو سرّ الفتوح .. أمّا جمال الجسم ، فإن الله لا يريده : ( إن الله لا ينظر إلى صوَرِكم .. لأنه هو الذى خلقها .. وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .
ولذلك عندما كان يدخل عليه أحدٌ وهو خائفٌ مرتعدٌ لمهابته كالمرأة التى دخلت عليه وهى ترتعش .. فقال لها هوّنى عليك فأنا إبن إمرأة ٍ كنات تأكل القديد ) والقديد هو اللحم الذى كانوا يجّففونه ليمكث مدّة ص طويلة ، وكان يعيش عليه الفقراء .. أمّا الأغنياء فكانوا يعيشون على الطازج .
وتأتى إمرأة أخرى تقابله فى الطريقوتقول له أريدك فى موضوع ٍ يا رسول الله ، فيقول لها يا أمة الله إجلسى فى ناحية من الطريق أجلس معك .. ولا يقول مثلما يحدث الآن إذهبى وحددى ميعاداً مع السكرتير أو مع مدير المكتب ... ولكنه التوضع الجمّ .
إذن إذا لم يزل الإنسان الغرور والتكبّر من نفسه ، ويضع مكانه التواضع .. فكيف ينال ولا ية الله :
ألا يا أخى بالذل ترقى وتُرفعن وبالزهد تُعطى ما له تتشوّقُ
وطالما أن نفس الإنسان مازالت حيّة ، فمن الصعب أن يتخلّى .. ومادام لم يتخلّى فلن يتحلّى .. فلو أن الحائط الذى نراه الآن ، لو وضعنا عليه لونٌ آخر فسيفسد الإثنين ، أمّا لو أردنا تغيير اللون ، فعلينا أن نزيل اللون الأول .. كذلك هل يصح أن يكتب أحدٌ على صفحة مكتوبة ؟ .. لآ ولو حدث ذلك فإنه لن يستطيع قراءة الكتابة الأولى ولا الثانية ..
إذن لكى يقرأ يجب ان يمسح ويمحوأولا ًالكتابة الأولى .. كذلك الإنسان عليه أن يمسك الأ ستيكة أو الممحاة ، ويمحو بها كل صفاته ..
أمّا الذى يعتزّ بصفاته ولا يريد أن يغيّرها ، فسيظلّ كما هو محلكّ سرّ، وإذا قال : لا أعرف فلإنّ ذلك من إعتزازه بنفسه .. ومثل هذا لا ينفع فى طريق الله .. إذ لا بد على الإنسان أن يمحو أوصافه لكى يضع أوصاف الحبيب ، لأنهم ضدين ، فهل ينفع ..
فهل تنفع سرعة الغضب مع الحلم فى شخص واحد ؟ .. لا ولكى يكون حليما ً لا بد وأن يجاهد نفسه إلى أن يمحو ويزيل سرعة الغضب ، فيصبح على أوصاف النبى الكريم صلى الله عليه وسلم .
كذلك هل ينفع واحد يكتم الأسرار ، ثم يذيعها على الأشرار والفجار فى وقتٍ واحد ٍ ؟ .. كلاّ .. إذن لكى يكون كاتما ً أسرار الواحد القهار ويأتمنه الله عزّ وجلّ على الأسرار ، لا بدّ وأن يكون كاتما ً للأسرار الصغار والكبار ، وخاصةً أسرار الأخيار .
فإذا قال له الرجل كلمة فى أذنه فلا يذيعها لأحد ٍ ولو حتى إنطبقت السماء على الأرض ، ولو طالعت هذا الجهاد فى صفحات الصحابة الكرام النضرة ، تجد أن ذلك كان جهادهم حتى أنهم كانوا يعوّدون صغارهم على هذا الجهاد ، وكان فى محو صفات الذات والتخلق بأخلا ق سيد السادات ..
وليس فى قيام الليل وصيام النهار والأذكار ، فإنّ ذلك جهادٌ فى ميدان العبادات .
لكن الجهاد فى ميدان المعرفة غير الجهاد فى ميدان العبادات .. كذلك الجهاد فى ميدان القتال غير الجهاد فى ميدان السلم .
إذن على الإنسان الذى يريد معرفة الله ويريد أن يصل إلى مرتبة ولا ية الله ، وينادى ويقول :
تاج البها ألبسونى وبالصـــــــــ ـــــــــــــــــــفا والقرب قد أسكرونى
ولكى ينال هذا التاج ويشرب من هذا الشراب فلا بد أن يتخلى عن أوصافه التى جبل عليها ، وقد جُعِل الجهاد ليرتقى الإنسان به إلى الله ويكون له أحقية لأن الله قد حكم على نفسه :
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ ( فصلت : 46) وذلك لكى لا يقول أحدٌ لمذا أعطيت فلا ن وحرمتنى ؟
فيقول : لأن فلان هذا جاهد وأنت لم تجاهد .. إذا بقيت على صفاتك وحافظت عليها وتفتخر وتتباهى بها ، وترى أنك لا مثيل لك .. أمّا نحن فقد وضحنا المثال ، وقلنا أن من يريدنا ويريد أن يتقرّب منّا فيجب أن يكون على شاكلة هذا المثال صلى الله عليه وسلم ، فهو النموذج الذى نريده .
أمّا أنت فترغب فى القرب والودّ والحبّ ، وأنت مازلت طوب وطين .. فهل ينفع ذلك ؟
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ ( الأحزاب : 21) وهذا هو المثال ، ولم يقل محمداً ولكن قال رسول الله لأنه صورة باقية إلى يوم القيامة ..
﴿ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الاخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا﴾
إذن فالذكر الكثير لا يكون إلا ّ بعد أن يتجمّل الإنسان ويصبح على قدره .. صورة حبيب الله ومصطفاه
... فإذا الذى كان يريد أن يكون لاعبا ًمرموقا ًفى أى فن ٍ من فنون الألعاب .. يبحث عن لا عب عالمى مشهور ويحتذى حذوه ويمشى على منهجه فى التدريب لكى يصل إلى ما وصل إليه .
كذلك من يريد أن يكون مغنّيا ً مشهورا ً يبحث عن واحد مشهور فى عالم الغناء ويقلدّ صوته وحركاته لكى يصبح مثله .
كذلك من يريد أن يكون قارئا ً للقرآن مشهورا ً ، أيضا ً يبحث عن واحد مشهورمن القرّآء ويقلدّ صوته ونغماته ومخارج ألفاظه حتى وقفاته ، لكى يكون صورة منه .. فينال القبول عند الناس .
وهذا الكلام فى كل أمر وفى كل شأن .. فما بالكم بمن يريد الله ورسوله ؟
والحق عزّ وجلّ جعل لنا صورة أكملية مزيّنة بزينة الأنوار الإلهية ، وجعل هذه الصورة هى المثال الذى تحتذيه النفوس التقية ، والأرواح النقيّة لتنال من حضرة الله العطيّة .
أمّا من يقول إنّى أحب رسول الله ، ويتغنّى بحب رسول الله ، ومع ذلك يمشى على هواه فلا شأن له بما يدّعيه ، لأن مايقوله مجرّد دعوى بلا برهان ..
أمّا البرهان الصحيح على هذه الدعوى أن أكون صورة مجمّلة ، وكل من يراها كأنه رأى أخلاق الحبيب إنّ كانت زوجتى أو أولادى أو جيرانى أو إخوانى فى العمل أو كل من أتعامل معهم فى أىّ مكان وزمان يلمسون منّى هذه الأخلاق الإلهية والصفات النورانية فيقولون عنّى أن فلان هذا عندما يأتنى همّ ٌوأفضى له به لا يحكيه لأحدٍ حتى زوجته .. والسرّ إذا دخل عنده لا يخرج أبدا ً .. فيرّد السامع ويقول : نعم صدور الأحرار قبور الأسرار .. وكذلك كان أصحاب النبى المختار .
وكذلك يقولون أن فلانا ً هذا كالنسيم والهواء العليل .. لا تخرج منه كلمة نابية ولا يصدر عنه تصرفات جافية فهو كالبلسم لكل من إختلط به أو تعرّف به أو عليه ، فيرُد السامع ويقول إنها أخلاق رسول الله ، وقد قال صلى الله علسه وسلم : ( مثل المؤمن كالنحلة لا تقف إلا ّ على طيب ٍ ، ولا يخرج منها إلا ّ طيّب ٍ ، وإذا وقفت على عود ٍهشّ ٍلم تكسره ) .
وهكذا تكون أحوال المؤمن ، وهذا هو ميدان الجهاد للأ فراد الذين يرغبون فى المعرفة وقد لخصّها الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وقال : { إنف أنا ، وأثبت أنا }.. أى لا ينفع إثبات الإثنين معا ً ، فإمّا أنت وإمّا هو .. أتريد أن تأخذ أوصافه وأنت على ما أنت عليه ؟ .. لاينفع إذ يجب أن تُميت نفسك فى محبته ، فتمحو أوصافك لكى تظهر أوصافه فيك ، وتصبح مظهرا ً لإظهار صورة رحمته ومودته لجميع خلق الله .
إنف أنا وأثبت أنا .. أنا الأولى هى أنا بذاتى .. ثم أتبت أنا وهو محمد رسول الله :
إنف أنا وأثبت أنــتا تلقى المســــرّة والهنــــــــــــــــــــا
تشهد جمالا ً ظاهرا ً بالحسن يا من قد أمّنا
وأمّنا أى قصدنا ، فيشهدون فيه جمال وصفات رسول الله : جمال حكمته ، جمل رحمته ، جمال شفقته ، جمال مودته ، جمال رفقه ، جمال أنسه .. وهذه هى الجمالات المحمدية ، ولا شأن لنا بالصورة الجسمانية ، لأننا نتكلم عن الصورة النورانية التى تعشقها قلوب العارفين والتى ينسخون على منوالها فى كل وقت ٍ وحين :
إنفي أنا وأثبت أنــا تلقى المسرّة والهنا
تشهد جمالا ً ظاهرا ً بالحسن يا من أمّنا
العارفون الجاهلون جميعهم خضعوا لنا
هم آية الإحسان بل نور حسن عن وصفنا
وكما قلت هذا ميدان جهاد الأفراد .
من الذى يريد أن يكون من الأولياء ويلبس تاج المحبة وتاج الولاية الربانية ؟ .. كلنا .. إذن فهذا هو الطريق ، أمّا إن أخذت هذا الكلام ووضعته خلف ظهرك .. فأنت وما شئت .. ولكن لا تأتنى وتقول بقى لى عشرين سنة معكم فلماذا لم آخذ الولاية ؟ .. وماذا أفعل لك ؟ .. فإنّى كلما فتحت لك الباب وجدتك تغلق جميع الأبواب ، وتصّرأن تأخذ الولاية بدون جهاد وهذا مستحيل !! لأنه لو سيأخذها الطوب والطين .. لألبسها الله لجميع العالمين .. ولا يأخذها إلا ّ التراب الذى شفّ بعد أن دخل النار وأصبح زجاجا ً ..
والزجاج كما تعلمون رمل وعندما دخل النار ، أصبح شفّافا ً .. كذلك الأمر يجب أن يدخل الجسم نار المجاهدة ليصبح شفّافا ً مثل الزجاج .. أى نور ، ولا يتم ذلك إلا ّ بعد ان يكون الباطن نور والظاهر نور .. فيكون نورٌ على نور ف﴿ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾( النور : 35) ..
فلا تنفع فى طريق الله العنوة !! كأن يريد اإنسان إخذها عنوة ، إذ لا بد من المجاهدة .
أتنفع المداهنة فى ذلك ؟ .. أبدا ً فلو أنك ستداهن واحد من العارفين ألف سنة ، وأنت كما أنت فماذا يفعل لك ؟ .. حتى ولو كان إبنه فلا يستطيع أن يعطيه شيئا ً إلا ّ إذا كان سيركب الصعب ويسلك طريق المجاهدة ، وهذا نظام الصالحين والعارفين منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله عزّ وجلّ الأرض ومن عليها لذلك يجب أن تنظر لنفسك وترى مافى لوحتك ، وتقف وقفة طيبة ً مع نفسك ، ولا تغشّها ، وترى ما فيك من أوصاف وطباع ، وتقيسها بأوصاف الحبيب ، ثم تنزع كل ما لا يعجب حضرة الله ، ولا ينال رضاء رسول الله ، وتبدّله بوصف ٍ عظيم من أوصاف رسول الله .. إلى أن تصبح صورة ً على قدرك من رسول الله .. وهنا تصبح إبنا ً له فى الروح والمعنى ، وبسّر هذه البنوة تنال من ميراث النبوة من الذى سيأخذ فى الميراث ؟ .. الإبن لأن الولد صورة أبيه .. كذلك الميراث المعنوى النورانى مثله مثل الميراث الجسمانى ، فلا بد وأن يكون معظم معانى وأوصاف الأخلاق المحمدية ، وبسرّ هذه الأخلاق والمعانى تنال الميراث الذى يقول فيه سيدنا رسول الله لأهل الإختصاص :
( نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث درهما ً ولا ديناراً، وإنّما نوّرث علماً ونورا ً)
فيعطيك إمّا العلم الوهبىّ وإمّا النور القدسىّ .. إمّا أن يعطيك الإثنين معا ً ، وذلك حسب فتح الله لك وعلى حسب جهادك .. فجاهد تشاهد ..
وهذا يا أحباب ما أردت أن أبيّنه لنفسى ولإخواني ، وبارك الله عزّ وجلّ فيكم أجمعين .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
طفنيس ـ إسنا – محافظة الأقصر الثلاثاء 17-11-2009