والصلاة والسلام على قطب هذه الأمة الإلهي، ونورها الرباني، وهاديها فى الدنيا بشرع الله ... إلى محبة الله، والشفيع الأعظم لنا ولجميع الخلائق يوم الدين، سيدنا محمد وآله الطيبين وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، آمين يا ربَّ العالمين.
سأبدأ معكم بسؤال نُجيب عنه في الوقت والحال، هذا السؤال يخطر فى ذهن كثيرٍ من الحضور - وغيرهم من المسلمين - نتيجة حملات التشكيك التي يروجها الكافرون والمشركون والملحدون فى هذا الدين، ليفرقوا جمع المسلمين، ويشتتوا شملهم، ويجعلوا المسلمين يتعاركون فيما بينهم فلا يتفرغون لهؤلاء الأقوام!!! هذا السؤال الذي أظهروه يقولون فيه: هل التصوف من الإسلام؟ وما التصوف؟ وهل للإنسان ضرورة في أن يسلك منهج أهل التصوف؟ ثلاثة أسئلة هامة نحاول أن نجيب عليها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل الله عز وجل.
💐 منزلة التصوف من الدين
هل التصوف من الدين؟! وما منزلته فى الدين؟!
إذا رجعنا إلى المنازل التي جعلها الله عز وجل لأهل هذا الدين، نجدها قد حددها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح شريف ورد في كتب الصحاح كلها، وخاصة البخاري ومسلم وغيرهم، وراوي الحديث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول:
إِلَى قَوْلِهِ } خَبِيرٌ {، قَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : رُدُّوهُ عَلَيَّ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعْلَمُوا إِذْ لَمْ تسَألُوا}[1]
السائل من؟ جبريل، ولذلك لم يُرَ عليه أى أثرٍ للتعب أو للسفر، وهذا الحديث إسمه حديث جبريل لأن السائل فيه أمين الوحى جبريل عليه السلام. عندما نتفحَّص فى هذا الحديث نجد أنه جعل للدين ثلاث مقامات: مقام الإسلام، ومقام الإيمان، ومقام الإحسان.
💐 مقام الإسلام: أن يعبد الإنسان ربَّه العبادات التى كلفنا بها الله؛ من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج.
💐 مقام الإيمان: أن يعتقد القلب ويوثق هذا الإعتقاد فى أركان الإيمان التى ذكرها النبى العدنان صلى الله عليه وسلم . يؤمن بكل رُسل الله وبكل أنبياء الله وبكل الكتب السماوية الصحيحة التى أنزلها الله، ويؤمن أن هناك ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويؤمن بأن هناك يوماً سيجمع الله فيه الخلائق أجمعين للعرض والحساب، وهو يوم القيامة، ويؤمن بقضاء الله وقدره:
💐 مقام الإحسان: هو أن : تعبد اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لم تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، هو أن يعبد الله كأنه يراه وأن الله عز وجل يعلم سره ونجواه، وأن الله يطلع على خطرات قلبه، وعلى ما يدور في صدره وأنه يعلم السر وأخفى، وأنه لا تخفى عليه عز وجل خافية فى الأرض ولا في السماء، ثم بعد ذلك يرتقى إلى مقامٍ أعلى وهو أن الله عز وجل يُرقِّق حجاب قلبه وبشريته فيعبد الله عز وجل كأنه يراه.
مقام الإحسان هو مقام التصوف، هو ما يُسمَّى بالتصوف، إسمه الأصلي الذي سمَّاه به النَّبِىُّ: الإحسان، وفى العصور التالية لحضرة النبي أُطلق عليه رمز التصوف لأنه يرمز للصفاء والنقاء، لأن أساسه صفاء القلب من جهة الخلق، وصفاء القلب من جهة الحقِّ عز وجل. فمقام التصوف فى الدين هو مقام الإحسان.