Advanced search

خطب Related

  • كيفية إدارة وحل المشكلات الأسرية

    More
  • الأحوال القلبية للصادقين و المداومة على العبادة و الذكر

    More
  • خطبة عيد الفطر_جوائز الله للصائمين

    More
View all

New خطب الجمعة

  • خطبة عيد الفطر_جوائز الله للصائمين

    More
  • خطبة الجمعة_المنهج القرآنى للسعى على الأرزاق

    More
  • خطبة الجمعة العطايا الربناية للصائمين

    More
اعرض الكل

Most visited

  • خطبة الجمعة_الوقاية من الأمراض باتباع النهج النبوى

    More
  • خطبة الجمعة_بَشريَّةُ النبى صلى الله عليه وسلم النورانية_احتفال المولد النبوي الشريف المعادى

    More
  • خطبة جمعة غزوة بدر وأسباب النصر فى رمضان

    More
View all

خطبة الجمعة_بَشريَّةُ النبى صلى الله عليه وسلم النورانية_احتفال المولد النبوي الشريف المعادى

Visits number:25444 Downloads number:1219
Download video Watch Download audio Listen
خطبة الجمعة_بَشريَّةُ النبى صلى الله عليه وسلم النورانية_احتفال المولد النبوي الشريف المعادى
Print Friendly, PDF & Email
+A -A



الحمد لله ربِّ العالمين، نحمدك اللَّهم على نعمة الإيمان، وعلى أن هديتنا للقرآن، وجعلتنا من أُمة النبى العدنان، ورفعت شأننا بين بنى الإنسان فجعلتنا خير أُمة أخرجت للناس.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يُفضِّل ما شاء بما شاء كيف شاء: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)  (23الأنبياء).  فضَّل بعض النبيين على بعض، وبعض الليالى على بعض، وبعض الأيام على بعض، وبعض الكتب على بعض، وما دام التفضيل من العزيز الجليل فله الحكم وله الأمر وإليه المرجع والمصير.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله:

هو الحبيبُ الذي تُرجى شفاعته                                 لكلِّ هول من الأهوال مقتـحم

فاق النبيـين فى خَلقٍ وفى خُلُقٍ                                فلم يدانوه فى علـم ولا كـرم

فمبلغ العلـم فيه أنه بَشَــرٌ                                     وأنه خـير خلـق الله كلِّهــم

اللهم صلِّ وسلم وبارك على رحمتك العظمى لجميع الآنام، والذى خَصَصْتَه بمقام الشفاعة يوم الزحام، وجعلته مفتاحاً لدار السلام، هَدَيْتَ به بعد ضلالة، وعلَّمت به بعد جهالة، وأغنيتَ به بعد فاقة، وأعززت به بعد ذلَّة، سيِّدنا مُحَمَّدٍ النبىِّ التقىِّ الأمىّ، وآله وصحبه، وكل من تمسك بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين يارب العالمين.

أما بعد فيا أيها الأخوة جماعة المؤمنين:

ونحن فى ذكرى ميلاد سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم نودُّ أن نوضِّح قضية هامة لنا مع حضرته، لا يسوقها المستشرقون ولا المستغربون، ولكن للأسف يُردِّدها بعض المسلمين والمؤمنين نحو السيِّد السند العظيم! الذى أعلى الله شأنه، ورفع الله قدره، وبيَّن حقيقته فى كتابه، حتى لا يكون هناك شك فى أوصافه، وفى مقامه عند ربه عزَّ وجلَّ.

يقول هؤلاء القوم من المسلمين: إن النبى بشر مثلنا!! وما زاد علينا فى شئ!! ونسوا أن هذه الحُجة ذكرها الله فى القرآن على لسان الكافرين!! فقد قالوا لحضرته عندما أُرسل إليهم لهدايتهم إلى ربِّ العالمين: (مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا) (154الشعراء)، (أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ) (24- القمر).

هذه كانت حجة الكافرين، بماذا ردَّ عليهم ربُّ العالمين؟ قال: يا حبيبى قل لهم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ(110الكهفأنا معىَّ الوحى، والعبرة كلها بالوحى!!

مَن منكم آتاه الله عزَّ وجلَّ وحىَّ السماء؟! مَن منكم يتنزَّل الله عزَّ وجلَّ على قلبه بالإلهام الفورىّ من الربِّ العلىِّ؟! مَن منكم نَقَّى الله سريرته وكشف عن بصيرته فيرى ما فى القلوب؟!! ويرى ما فى البيوت؟!! وينبئ الناس عن أحوالهم وعن أخبارهم؟!! وما أكثر الروايات التى تَحْفل بها السُنة المطهرة فى هذا الشأن الكريم!!!!

لابد أن يكون الذى أرسل إلى البشر بشرٌ، لماذا؟ لأن الله عزَّ وجلَّ جعله هو النموذج القويم الذى نتعلم منه ما يريده منا العزيز الحكيم، فقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ فى قرآنه بالصلاة فى أكثر من موضع فى كتاب الله: (فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) (103النساء)، (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى) (238البقرة)

ما الصلوات التى أمرنا بها الله؟ ما عددها؟ وما أسماؤها؟ وما أوقاتها؟ وما عدد ركعاتها؟ وما الكيفية التى نؤديها بها لنُرضى ربَّ العزَّة عزَّ وجلَّ؟ مَن الذى فعل ذلك وأمرنا الله أن نهتدى به فى ذلك؟ الذى قال لنا صلوات ربى وتسليماته عليه: {صلُّوا كما رأيتمونى أصلى } (السنن الكبرى للبيهقى، أحمد والبخارى وغيرها عن مالك بن الحويرث)

فجعل وقتاً للصبح، ووقتاً للظهر، ووقتاً للعصر، ووقتاً للمغرب، ووقتاً للعشاء. وجعل الصبح ركعتين، والظهر والعصر والعشاء أربعاً، والمغرب ثلاثاً، وجعل فى الصلاة ركوعاً وسجوداً، والركوع مرة فى كل ركعة، والسجود مرتين فى كل ركعة!! وهناك موضع لتلاوة القرآن، وهناك موضع لتسبيح الله، وهناك موضع للدعاء... ثم قال لنا الله عزَّ وجلَّ فى ذلك: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (7الحشر)

وإلا فانظر يا أخى المؤمن أين تجد ما ذكرناه عن الصلاة فى كتاب الله؟! ليس فيه إلا الأمر الجامع للصلاة!! أما الذى وضَّح وبيَّن هيئاتها وأقوالها وأفعالها فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كيف يفعل ذلك ببشريته إذا لم يكن معصوماً من الله عزَّ وجلَّ فى كل حركاته؟! فلا يتحرك حركة من قِبَل نفسه، ولا يتكلم كلمة من عند ذاته، وإنما كل حالاته يقول فيها رب العزة عزَّ وجلَّ: (وما ينطق عن الهوى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (3: 5النجم)

وكذلك فى شأن الزكاة، فقد فرض الله علينا الزكاة،  فما مقدار زكاة الزرع؟!! وما نصاب زكاة المال؟ وغيرها من صنوف الأموال والأعراض التى تجب عليها الزكاة؟ الذى وضَّح وبيَّن هو الذى قال له الله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (103التوبة)، هو الذى أمره الله عزَّ وجلَّ أن يتقاضى هذه الزكاة ليوزعها كما أوحى إليه مولاه، وليس بناءاً عن حظ أو هوى - حاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك الصيام والحج، نسَّك المناسك، ومشى أمامهم فى المناسك تطبيقاً وقال لهم: { خُذُوا عَني مَنَاسِكَكُمْ } (النسائى عن جابرٍ، والطبرانى عن ابن عمرٍو رضى الله عنهم)

وليس أمر العبادات فحسْب!! بل إن الله جعله صلى الله عليه وسلم بشراً ليعلِّمنا كيف نأكل؟ ويعلِّمنا كيف نشرب؟ ويعلِّمنا كيف نلبس؟ ويعلِّمنا كيف نتحدث؟ ويعلِّمنا كيف نمشى؟ ويعلِّمنا كيف نعامل زوجاتنا؟ وكيف نربى أولادنا؟ وكيف نصل أرحامنا؟ وكيف نحسن إلى جيراننا؟ وكيف نتعامل مع أعدائنا؟ ويعلمنا كبف نتصرف وفقا لما علَّمه له مولاه فى كل شأن من شئون الحياة!

هذا ليضرب لنا المثل الأعلى فى ذلك كله؟ ليقربنا بذلك إلى ربِّنا عزَّ وجلَّ. فكان لابد من بشريته لأنه أرسل ليُعلِّم البشر، وكان لابد لهذه البشرية أن تتنزل لنا، ويتنزل فيها وحىُّ ذى الجلال والإكرام، لنتعلم المنهج الصحيح القويم الذى يريده منا ربُّ العزة عزَّ وجلَّ.

لكنَّ الله عزَّ وجلَّ وضَّح فى القرآن أن بشريته غير بشريتنا أيضاً فى الصورة، فالعرب أنفسهم كانوا يأتون له ليسألوه عن أمره، وكيف صار رسولاً من الله؟ وهم يعلمون بفهمهم وفطرتهم أنه لابد له من تأهيل خاص يجعل بشريته قابلة لهذا الأمر العلىّ، واسمعموا لحديث سيِّد بنى عامر وكبيرهم الذى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستوثق من أمره قبل أن يسلم، فقال: {يا ابن عبد المطلب، إني نبئت أنك تزعم أنك رسول اللـه إلى الناس!! أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء!! ألا وإنك تفوَّهت بعظيم!! إنما كان الأنبياء والملوك في بيتين من بني إسرائيل، بيت نبوة وبيت ملك، ولا أنت من هؤلاء ولا من هؤلاء!! إنما أنت من العرب ممن يعبد الحجارة والأوثان، فما لك والنبوة؟!! ولكل أمر حقيقة، فأنبئني بحقيقة قولك وبدء شأنك؟.فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم مسألته، وقال: { يا أخا بني عامر، إن حقيقة قولي وبدء شأني دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، إني كنت بكرا لأمي، وإنها حملتني كأثقل ما تحمل النساء، وإن أمي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور، قالت: فجعلت أتبع بصري النور، فجعل النور يسبق بصري حتى أضاء لي مشارق الأرض ومغاربها، ثم إنها ولدتني، فلما نشأت بغِّض إلي الأوثان والشعر، فاسترضعت في بني بكر.

فبينما أنا ذات يوم في بطن واد مع أتراب لي، إذا برهط ثلاث، معهم طشت من ذهب ملآن نور وثلج، فأخذوني من بين أصحابي، فعمد إلى أحدهم، فأضجعني إلى الأرض إضجاعا لطيفا، ثم شق ما بين صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر، فلم أجد لذلك شيئا ثم أخرج أحشاء بطني، فغسلـه بالثلج، فأنعم غسلـه، ثم أعادها في مكانها ثم قام الثاني فأدخل يده في جوفي فأخرج قلبي، وأنا أنظر فصدعه فأخرج منه مضغة سوداء رمى بها، ثم إذا بخاتم في يده من نور: نور النبوة والحكمة، يخطف أبصار الناظرين دونه، فختم قلبي، فامتلأ نورا وحكمة، ثم أعاده مكانه، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهراً، ثم أمرَّ الثالث يده بين ثديي وصدري ومنتهى عانتي، فالتأم الشق بإذن اللـه، ثم أنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا.

ثم قال الأول: زنوه بعشرة من أمته، فوزنوني فرجحتهم، فقال: زنوه بمائة من أمته، فوزنوني فرجحتهم، فقال: زنوه بألف من أمته، فوزنوني فرجحتهم، فقال: دعوه فلو وزنتموه بأمته جميعا لرجحهم.

قال:ثم أقبل الحي بحذافيرهم، فجاءت ظئري حتى أكبت علي فضمتني إلى صدرها وإن يدي لفي يد بعضهم، فظننت أن القوم يبصرونهم، فإذا هم لا يبصرونهم، فجاء بعض الحي، فقال: هذا الغلام أصابه لمم أو طائف من الجن، فانطلقوا به إلى الكاهن، ينظر إليه ويداويه فقلت لـه: يا هذا ليس بي شيء مما تذكرون.

فذهبوا بى إلى الكاهن، فقصصت عليه أمري، فضمني إلى صدره ونادى بأعلى صوته: يا للعرب اقتلوا هذا الغلام، واقتلوني معه، واللات والعزى لئن تركتموه ليبدلن دينكم، وليسفهن أحلامكم، وليخالفن أمركم، وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثلـه، فقالت ظئري: لأنت أعته منه وأجن، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك، ثم ردوني إلى أهلى، وأصبح أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه شراك، فذاك حقيقة قولي وبدء شأني فقال العامري: أشهد أن لا إلـه إلا اللـه، وأن أمرك حق } (رضى الله عنه عن شداد بن أوس، المطالب العالية رضى الله عنهابن حجر العسقلاني) مع اختصار الرواية، وفى كنز العمال و دلائل النبوة وغيرها)

فللقصة دلائل كثيرة تدلُّ على أن الله جهَّز بشريته صلى الله عليه وسلم تجهيزا خاصاً لحمل الرسالة فصارت بشريَّةً نورانيَّةً، ولذا لما سمع سيد بنى عامر القصة من النبى أدرك وفهم ووجد الإجابة عن تساؤله وأسلم فى الحال، بل لما سمع الكاهن ذلك علم أنه النبى المنتظر الذى يعدُّ لحمل الرسالة فى المستقبل! وانظروا إليه صلى الله عليه وسلم لما وزنوه بعد أن جهزوه وطبعوه بخاتم النور والحكمة.

ماذا كانت النتيجة؟ كان وهو فردٌ وحيدٌ يساوى الأمة كلها ببشريته التى أعدها الله بقدرته فجعلها نورانية فى صورة بشرية!!.وإذا كان رجل من أُمته وهو الصديق رضى الله عنه يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم فى تفضيله: (لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبـي بَكْرٍ بِإِيمَانِ النَّاسِ لَرَجَحَ إِيمَانُ أَبِـي بَكْر) (قال صاحب كشف الخفاء: رواه إسحاق بن راهويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن عمر من قوله، وأخرجه ابن عدي والديلمي كلاهما عن ابن عمر مرفوعا بلفظ "لو وضع إيمان أبي بكر على إيمان هذه الأمة لرجح بها"، وفي سنده عيسى بن عبد الله ضعيف، لكن يقويه ما أخرجه ابن عدي أيضا من طريق أخرى بلفظ: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجحهم)، وله شاهد أيضا في السنن عن أبي بكرة مرفوعاً، أن رجلا قال: يا رسول الله كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت ثم وزن أبو بكر بمن بقي فرجح – الحديث. وقال ابن تيمية - لما سأل عنه: هذا جاء معناه في حديث معروف في السنن: "أن أبا بكر رضي الله عنه وزن هذه الأمة فرجح"، مجموع فتاوى ابن تيمية).

فما بالكم بمن كان السبب فى إيمان الأمة جميعها وإيمان أبى بكر؟!! الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، التى خلقها لنا الله عزَّ وجلَّ.

روى الإمام أبو المواهب الشاذلى رضى الله عنه أنه كان فى الأزهر الشريف يُدَرِّس، وإذا برجل معاند جاء إلى مجلسه، وأخذ الرجل يتحدث فى هذه القضية ويُصر على أن الحبيب صلى الله عليه وسلم بشرٌ كسائر البشر، قال: فقمت من هذا المجلس مهموماً لأنى لم أدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ينبغى، قال: فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وقال لى: يا محمد هلا قلت له: (محمدٌ بشرٌ بين البشر كالياقوت وهو حجر بين سائر الحجر).

هل يساوى حجر الياقوت بقية الأحجار؟! هل يساوى حجر الذهب بقية الأحجار؟! والنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يقول فى الخلق والناس أجمعين: {النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ} (صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، وفى الحديث: (خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا)).

ولِمَ نذهب بعيداً وهذا الزجاج الذى نضعه فى نوافذنا، ما أصله؟ أصله رملٌ، ولكننا عالجناه حتى صار شفافاً يبين ما وراءه، فما بالكم بحبيب الله ومصطفاه الذى شفَّ الله جسمه، ونوَّر الله هيكله، حتى صار ظاهره نور، وباطنه نور، وكله نور، وقال الله فى شأنه: (نُّورٌ عَلَى نُورٍ) (35النور).

ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من الصلاة يلتفت إلى من خلفه ويقول لهم: أنت فعلت كذا أو قلت كذا، قال سيدنا ابو هريرة رضى الله عنه: { صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَى رَجُلاً كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ؛ أَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ. أَلاَ تَنْظُرُ كَيْفَ تُصَلِّي؟، إنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنِّي لاَ أَرَاكُمْ، إنِّي وَاللَّهِ لأَرَى مِنْ خَلْفِ ظَهْرِي كَمَا أَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ } (الترغيب والترهيب، صحيح ابن خزيمة عن أبى هريرة).

ومَن الذى يرى من خلفه؟ إلا إذا كان جسمه شفافاً نورانياً، لأنه ليس له عين فى مؤخرة رأسه! ولكن له قلب مملوءٌ بالنور يقول فيه مولاه: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (108- يوسف). بهذه البصيرة النورانية كشف لنا كل ما حدث مع أنبياء الله ورسل الله مع أممهم السابقين، وحدثنا عن كل شئ سيحدث لنا أو بيننا إلى يوم الدين، فما من شئ يحدث فى الأكوان إلى الآن وبعد الآن، إلا وأنبأ عنه النبى صلى الله عليه وسلم وحدَّث عنه بأبلغ بيان.

بل إنه صلى الله عليه وسلم حدَّثنا عن القيامة كأنها رأى العين، وحدَّثنا عما سيدور فيها، وكيف يكون حالنا بينها، وكيف حال المؤمنين، وكيف حال المنافقين، وكيف حال الكافرين، بل حدَّثنا عن الجنة ودرجاتها، وقصورها، وحورها، وأنهارها، وكل شئ فيها، وكذا النار وكل ما فيها من أهوال وأحوال..!!! ذلك لأن الله عزَّ وجلَّ كشف له عن بصيرته فرأى ما لم نرَ، قال فيه تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) (26-27الجن)

وقد ارتضى هذا الرسول وأعطاه ما لم يعط الأولين والآخرين، فيجب أن نعلم قدر نبيِّنا عند ربِّه، وعظمة نبيِّنا بين أنبياء الله ورسله، ونفرح بالنعمة الكبرى التى وهبها الله لنا!! وهو هذا النبى، وهذا الرسول، وهذا الحبيب الذى جعله الله نبينا، وجعله شفيعنا وجعله إمامنا، قال صلى الله عليه وسلم: {أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجاً إِذَا بُعِثُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إذَا وَفَدُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إذَا أَيِسُوا. لِوَاءُ الحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلاَ فَخْرَ } (سنن الترمذى عن أنس)، أو كما قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

  الحمد لله ربِّ العالمين الذي كرَّمنا بالإيمان، وأكرمنا بنور الإسلام، ووفقنا للعمل لما يحبه في كل وقت وآن، فلله الحمد ولله الشكر وهو على كلِّ شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، إله تعالى في علُوِّه، وارتقى في سِمُوِّه، لا يصل إلي كنه معرفته واصل، ولا يتعرف على حقيقة كنهه متعرِّف إلا عن طريق الوحي الإلهي، أو النبيِّ الصفيِّ الذي أرسله الله واختاره ليعلم الخلق ما يحبه من أمور الخلق. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، سيِّدُ الخلق في الدنيا، وإمام أهل الموقف أجمعين يوم الدِّين. صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، ووصحابته المباركين، ووكل من اهتدى بهدبه إلى يوم الدين، ووعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين يا ربَّ العالمين.

إخواني جماعة المؤمنين:

لا تظنوا أن الحديث الذي أتحدث فيه عن رسول الله الآن لا حاجة لنا به، لأن الله أمرنا أجمعين أن نتعرف على حبيبه، وأن نتعرف على رسوله، وأن نعرف منزلته عند الله، وأن نعرف قدره في كتاب الله، وأن نعرف مقامه بين أنبياء الله ورسل الله، فهذه فريضة علينا أجمعين معشر المسلمين.

ونحن والحمد لله، إذا عرفنا مقداره وقدره - أو بعض قدره، لأننا لا نستطيع أن نصل إلى الاية في ذلك -  فرحنا فرحاً عظيماً، لأن الله عزَّ وجلَّ ما خصَّه بفضيلة إلا وكانت لنا، ولا أكرمه بميزة في الدنيا والآخرة إلا وتفضل الله عزَّ وجلَّ بها علينا!! ونحن أعطانا الله من الإكرامات من بين سائر الأمم السابقة ما لا نستطيع أن نفي به في هذا الوقت – ولو جلسنا إلى ما شاء الله!! فضلنا الله على سائر الأمم، واختصنا الله عزَّ وجلَّ - بين أمم الأنبياء والمرسلين أجمعين – بفضائل لا تعدُّ ولا تحصى، ببركة هذا النبيِّ الأميِّ الذي اصطفاه مولاه، وقرَّبه وأدناه، وجعلنا من أمته في الدنيا، ونسأل الله أن يكرمنا بشفاعته يوم نلقاه.

فاشكروا الله عزَّ وجلَّ على هذه النعمة بالإكثار بالصلاة والتسليم على هذا النبيِّ الكريم، فقد أوجب الله علينا في قرآنه أن نشكره على هذه النعمة، بالصلاة والتسليم على هذا النبي، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (56الأحزاب).

اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأولين، وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في اللآخرين، وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في الملأ الأعلى ويوم الدين، وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد في كلِّ وقت وحين. وصلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وافتح لنا أجمعين أبواب الإجابة في هذا الوقت والحين. اللهم إنا سندعوك فلا ترد لنا دعاء، واستجب لنا أجمعين وحقق لنا كل رجاء.

اللهم لا تدع لواحد منا حاجة إلا قضيتها، ولا مرضاً إلا  شفيته، ولا اقتار رزق إلا وسَّعته، ولا دَيناً إلا سددته، ولا ولداً إلا أصلحته، ولا زوجة إلا وفقتها، ولا حاجة من حوائج الدنيا أو الآخرة إلا وقضيتها ويسَّرتها، بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يا ربَّ العالمين.

اللهم أصلح أحوالنا، وأحوال أئمتنا وحكامنا، وأحوال رؤساء وحكام المسلمين أجمعين، واجعل بلاد الإسلام بلاد الأمن والسلام، وكثِّرْ لنا الخيرات والبركات في هذا العام، فإنا استبشرنا بهطول المطر في ليلة الميلاد، فاجعله اللهم عام رخاء وسخاء علينا وعلى المسلمين أجمعين.

اللهم أهللك الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، وادحر اليهود ومن عاونهم، وخلِّص منهم أرض فلسطين، وحرِّر بيت المقدس وبيت الخليل وأرض فلسطين، يا خير الناصرين.

اللهم أجر الوفاق والاتفاق بين عبادك المتقاتلين، في السودان والصومال، والعراق وأفغانستان وفي كلِّ مكان، واجمعهم جميعاً على كلمة (لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله)، يرفعون لواءها، ويعملون تحت شريعتها، وينصرون كتابها، ويتبعون نبيَّها، وجرِّدهم من الأهواء وحبِّ الشهوات والرياسات، واجعلنا يا ربَّ العالمين عالين في هذا الزمان على الكافرين والمشركين أجمعين.

عباد الله: اتقوا الله، (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل). اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

*********************

 

 

اعلان في الاسفل

All rights reserved to Sheikh Fawzi Mohammed Abu Zeid


Up