سيدي ياقوت العرش رَضِيَ الله عنه وأرضاه وارث سيدي أبو العباس المرسي ، وسيدي أبو الحسن الشاذلي ...
دخل ملك مصر على سيدي أبى العباس، فلم يقم له، ولكنه أجلسه بجواره، ودخل بعده ياقوت فقام واهتم به، واحتضنه وأظهر له غاية الاهتمام!! ... فدخل في قلب الملك شيء من ذلك.
وإذا كان هذا في نظرك جميل، فالجميل هو الذي أعطاه هذا الجمال!!.
فلما رأى سيدي أبو العباس ما في قلب الملك نحو ياقوت قال:
يا ياقوت!!، إن صدري ضيق، وعندي هموم وغموم ضيقت صدري. فبكى ياقوت، ... وعند بكائه ظهرت غيوم في السماء!!، وأمطرت السماء لدموعه!!!، ... فقال:
يا ياقوت!!، لقد طاب قلبي، وذهب الغمُّ عن صدري، ... فسكت، ... فإذا بالسماء تقلع عن المطر، ولا يوجد فيها سحابة واحدة!!، ... فقال سيدي أبو العباس رَضِيَ الله عنه للملك: هذا من الملوك السماوية.
أي الذين لهم تأثير في عالم السماء .
وياقوت كان عبد في بلاد الحبشة - ولحظة ميلاده وهو في الحبشة والشيخ بالإسكندرية - فإذا بأبو العباس يقول لأهله: اصنعوا لنا وليمة اليوم، فقالــوا: ولِـمَ؟!!، قال: الآن ولد ياقوت العرش في بلاد الحبشة!!.
ولد ياقوت!!، ونما وترعرع!!، وكان التجار يذهبون إلى الحبشة، ويأخذون الصبيان ويخطفونهم، ثم يبيعونهم عبيداً، ومن ضمن من خطفوهم، كان ياقوت!!.
وذهب تاجر من أصحاب الشيخ إلى بلاد الحبشة لإحضار تجارة ، فكان من ضمن التجارة ياقوت!!.
وركبوا السفينة، ... وسارت السفينة في البحر، ... وهاج الموج، وكادت تهلك، فاستغاث التاجر بالله، وتوسل بسيدي أبي العباس وقال:
يا ربّ!!، بجاه أبي العباس أسكن لنا البحر. فسكن البحر في الحال ، لأنه يسأل الله ، ولكنه يتوسل إليه ببعض أحبابه .
وهذا لا ضير فيه ... فإن الحبيب صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وسلم، كان يتوسل بنفسه عند الخروج إلى الصلاة، وكان يقول (فى الحديث المعروف):
فسيدنا رسول الله نفسه كان يتوسل صلَّى الله عليه وسلَّم!! - فلما سكن البحر، وضع يده على ياقوت وقال: هذا العبد نذراً عليَّ إذا أوصلنا الله بسلام ، أن أعطيه لسيدي أبى العباس؛ يكون خادماً له.
وسارت السفينة ، وإذا بياقوت يصاب بمرض القراع في رأسه، وفي اليوم الذي ستصل فيه إذا بسيدي أبي العباس يقول لأصحابه: تعالوا بنا نتريض على البحر. فوصلوا إلى الشاطئ في الوقت الذي وصلت فيه السفينة، فنزل التاجر، وقبَّل يده، وأراد أن يعطيه عبداً آخر غير المريض. وقال: يا سيدي هذا العبد هدية لك. قال: لا نريد إلا العبد الذي نذرته لنا.
قال : يا سيدي إنه مريض!!، فقال: لاشأن لك به!، فقدمه إليه. فخلع عمامته ووضعها على رأسه ثم رفعها، فشفي في الحال، ثم أخذه وربَّاه، حتى صار وارثاً له بأمر الله. من أين هذه الوراثة ؟
ألم يكن لسيدي أبو العباس أولاد؟!!. كان عنده وموجودين!!.
وأولاد سيدي أبو الحسن كانوا موجودين كذلك!!.
لكنها عناية الله ولا تعطى إلا بإشارة من الله جل في علاه، ... هل يوجد منا من يقدر على اختيار رجل مكانه؟!!.
ليس للعبيد شأن مع الحميد المجيد في هذا الأمر.
﴿ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾
(124 الأنعام)
وهذا أمر الله يعطيه الله لمن يحب من عبيده، وليس فيه شأن لصغر سن أو لكبر سن، أو طول مصاحبة أو قلة فترة!!.
فمن الجائز أن يدخل واحد اليوم، ويكون هو الوارث – ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب!!
ولكن المهم أن لا تحجب نفسك بهذا السبب، فتزن نفسك بأحوال الصالحي ، وأحوال المقربين، وأحوال الأنبياء والمرسلين؛ تطالع أخلاقهم وأحوالهم.
ولذلك يقول الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه وأرضاه :
{{ من أسرار ذكر الله عزَّ وجلَّ لقصص الأنبياء والمرسلين في القرآن؛ أن يتعلم الإنسان منهم ما يحبُّه الله وما يبغضه الله. لأنك ترى من أحوالهم في القرآن، ما الذي يحبُّه الله؛ فتعمـــله، وماذا يبغضه الله وينهى عنه؛ فتبتعد عنه .}}
حتى قال رضى الله عنه:
{{ وحكايات الأنبياء والمرسلين في القرآن، هي الطهور المدار للمقربين والمحبوبين؛ الذي يدار عليهم من كتاب ربِّ العالمين عزَّ وجلَّ لأن هذا ما يبحثون عنه }}
يريدون أن يعثروا على ما يدخلون به على الله، ...
بأن يروا أحوال الأنبياء والمرسلين، ثم بعد ذلك يروا أحوال الصالحين؛ لكي يقيس الإنسان نفسه ويزن نفسه.
فمن يغفل عن ميزان نفسه - طرفة عين أو أقل - يتعب ويعطب، ويصاب بالزلل وبالخلل .