الصيام شريعة وحقيقة
Series title
الدين والحياة
Publish date
17 - يونيو - 2012
Pages number
192
Edition number
الطبعة الأولى
Downloads
1175
Download code
Not found
PDF Preview Tool
الصيام شريعة وحقيقة
مقدمة الكتاب
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بعونه تتم الصالحات ..، وبتوفيقه يقوم العبد بالنوافل والقربات ..، وبفضله ينال المرء أرفع الدرجات.
والصلاةُ والسلامُ على كنز الفتوحات، وباب النفحات، ومفتاح الخيرات، وسبب كل السعادات، سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه؛ ورَّاث هذه الكمالات، ...
وبعد ......
فمن أجَلِّ العبادات التي يتقرَّب بها العبد إلى ربه، وينال بها وصاله وقربه، ويسعد بسببها بصحبة سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وصحبه؛ عبادة الصيام.
ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم لزوجته التقية النقية السيدة عائشة رَضِيَ الله عنها:
{ دَاوِمِي قَرْعَ بَابِ الْجَنَّةِ، قَالَتْ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِالْجُوعُ }
وأىُّ عبادة يقوم بها العبد لربِّه لا بدَّ له أولاً قبل القيام بها أن يتفقه فيها، حتى يؤديها كما ينبغي؛ فينال بها القبول من الله عزَّ وجلَّ،
ولذلك قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ لاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ إِلاَّ بِتَدَبُّرٍ وَلاَ عِبَادَةَ إِلاَّ بِفِقْهٍ }
وقال بعض الصالحين:
{ علم بلا عمل ضلال ، وعمل بلا علم وبال }
فإذا تفقَّه العبد في دين الله، وعلم ما ينبغي عليه أن يقوم به، ليكون عاملاً بشرع الله، وقام بعد ذلك عاملاً بنيَّة خالصة لوجه الله، وأدام ذلك؛ أحبَّه الله؛ فوهبه رذاذاً من فتحه، وخالصاً من عطاءه، مصداقاً لقول الله تعالى:
( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ) (282البقرة)
وبشرى للعاملين ذكرها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال:
{ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }
ولمـاَّ كان لزاماً علىَّ لإخواني في الله والمسلمين أجمعين تبصيرهم بما لا بد لهم منه في شرع الله عزَّ وجلَّ ؛ جمعنا في هذا الكتاب الذي لا غِنى عنه لكل مسلم ومسلمة:
- أحكام الصيام الشرعية، مقرونة بأدلتها التشريعية، مع مراعاة التيسير والوسطية الإسلامية.
- وأجبنا فيه عن كل التساؤلات التي يحتاج إليها المسلم المعاصر، والتي هي مستجدات عصرية، لم تُذكر في كتب الفقه القديمة، وأسندناها إلى العلماء الأجلاء المعاصرين، والمجامع الفقهية التي تعرضت لهذه المسائل العصرية، بعد الرجوع إلى قرارات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ذلك.
- هذا وقد ذكرنا السنن والمستحبَّات للصائم، وبيَّنا أهمَّ القربات التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في شهر رمضان ليفوز من الله بكمال رضوانه، ويحظى منه عزَّ وجلَّ بخيره وبره وإحسانه .
- وألمحنا إلى بعض الحقائق التي تتجلى من الله في قلوب عباده الصادقين الصائمين، إلهاماً لَدُنِّيـَّاً، وحِكَماً قدسيَّة، وعلوماً ذوقيَّة، ليشتاق إلى ذلك العاملون، ويحنُّ إلى بلوغ هذه المقامات الواصلون.
أسأل الله عزَّ وجلَّ ...
أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ....
وأن يمنَّ علينا دوماً برضاه، ويلحظنا بعين عنايته .....
ويوفقنا لما يحبه ويرضاه ....
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمالقسم الأول : الصوم وأحكامه الشرعيـَّــة
القسم الأول
* * * * * * * * * *
الصوم وأحكامه الشرعية
* * * * * * * * * * * * * * *
الصــــــــوم
* * * * * * * * * * * * * * *
تعريـــفه
الصوم لغةً: الإمساك.
وشرعاً:
- الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات.
- من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
- بنيَّة خالصة لله تبارك وتعالى.
فرضيته
فُرض في المدينة المنورة لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة المباركة، وذلك في قوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (183البقرة)
التهنئة بقدوم رمضان
* * * * * * * * * * * * * * *
وهنا بشَّر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه بفرضية الصيام، منوِّهاً بفضائل رمضان، حيث قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، فِيهِ خَيْرٌ يُغَشِّيكُمُ اللَّهُ فِيهِ فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ، وَتُحَطُّ الْخَطَايَا وَيُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ، فَيَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْراً، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مِنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ}
لذلك نصَّ العلماء على استحباب التهنئة بالنعم الدينية إذا تجددت، قال الحافظ العراقي الشافعي:
{ تستحب المبادرة لتبشير من تجدَّدت له نعمة ظاهرة،
أو اندفعت عنه بلية ظاهرة }.
وقال ابن حجر الهيثمي:
{ إنها مشروعة }، ثم قال: { ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر، والتعزية، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك رَضِيَ الله عنه في قصة توبته لمـَّا تخلَّف عن غزوة تبوك أنه لما بُشِّر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ قام إليه طلحة بن عبيد الله رَضِيَ الله عنه فهنَّــأه }.
وكذلك نقل القليوبي عن ابن حجر أن التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مندوبة.
ثبوت هلال رمضان
* * * * * * * * * * * * * * *
يثبت دخول شهر رمضان:
- برؤية الهلال.
- ولو برؤية الشخص الواحد له عند جمهور العلماء.
- فإن تعذرت الرؤية أكمل المسلمون عدة شعبان ثلاثين يوماً.
وأما هلال شهر شوال فيثبت:
- بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً.
- ولا تقبل فيه شهادة العدل الواحد – عند جمهور العلماء – بل لا بد من أن يشهد على رؤيته إثنان معروفان بأمانتهما وبعدلهما.
والإعتماد على الرؤية البصرية هو الأساس مع الإستئناس بالحساب الفلكي، لإفادته القطع واليقين في مثل تلك الأمور المحسوسة.
فقد أخرج الشيخان (البخاري ومسلم) وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
{ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ }
وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول للشافعية:
- إلى عدم اعتبار اختلاف المطالع في إثبات شهر رمضان.
- فإذا ثبتت رؤية هلال رمضان في بلد لزم الصوم جميع المسلمين في جميع البلاد، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم فى الحديث المذكور:
{ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ }.
ويرى الشافعية في الأصح اعتبار إختلاف المطالع:
- أى أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم، ولا يلزمهم رؤية غيرهم ما داموا بعيدين عنهم.
- ومن أدلتهم ما رواه مسلم والترمذي وأحمد عن كُرَيب مولى ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين:
{ أنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلى مُعَاوِيَةَ بالشَّامِ، قال : فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجتَها واستُهِل عَليَّ هِلاَلُ رَمَضَانَ وأنا بالشَّامِ فرأَيْنَا الهِلاَلَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ في آخرِ الشهْرِ فَسَأَلَنِي ابنُ عبَّاسٍ ثُمَّ ذكَرَ الهِلاَلَ فقالَ متَى رأَيْتُمْ الهِلاَلَ؟ فقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فقال: أنْتَ رَأَيْتَهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ؟ فَقُلْتُ: رَآهُ النَّاسُ فَصَامُوا وصَام مُعَاويِةُ، فقَالَ: لكنْ رأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فلا نَزَالُ نَصُوُمُ حتى نُكْمِلَ ثلاثينَ يَوْماً أو نَرَاهُ، فَقُلْتُ ألا تَكْتَفِي بِرُؤيَةِ مُعَاوِيَةَ وصِيَامِهِ؟ قال: لا، هكَذَا أَمَرَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.}.
فضائل الصوم
* * * * * * * * * * * * * * *
ورد في فضل الصوم وثوابه كثير من الأحاديث النبوية، من ذلك ما ورد في بيان حصول الفرح والسعادة للإنسان في الدنيا والآخرة، وذلك بقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ }
وورد أن الصوم يبعد عن النار بكل يوم سبعين سنة، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا }
وورد أن الصوم يشرف الإنسان في الآخرة بدخول الجنة من باب يسمى الريان، وهو باب خاص بالصائمين، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ }
وورد أن الصوم يُرضي الله تعالى عن الصائم وعن رائحة فمه- رغم كراهة الناس لها – قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ }.
وورد أن الصوم له ثواب ومزية على سائر الأعمال، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي }.
ومعنى قوله {إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي} أى: خالص لي لا يقصد به غيري، لأنه عبادة لا يقع عليها حواس العباد، فلا يعلمه إلا الله والصائم، فصار الصوم عبادة بين العبد والرب، فلذلك أضافه إلى نفسه، وجعل ثوابه بغير حساب، لأنه لا يتأدى إلا بالصبر، وقد قال الله سبحانه وتعالى فى محكم التنزيل:
( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (10الزمر)
فلما كان في الصوم هذه المعاني خصه الله تعالى بذاته، ولم يكله إلى الملائكة، بل تولى جزاءه بنفسه، فأعطى الصائم أجراً من عنده ليس له حد ولا عدد، فقال: { وَأَنَا أَجْزِي بِهِ }، يعني: أكون له عن صومه على كرم الربوبية، لا على استحقاق العبودية، وقال أبو الحسن: معنى قوله:
{ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ }، أى: { كل طاعة ثوابها الجنة، والصوم جزاؤه لقائي، أنظر إليه وينظر إلىَّ، ويُكلمني وأكلمه بلا رسول ولا ترجمان}
فضائل شهر رمضان
* * * * * * * * * * * * * * *
لفظ (رمضان):
- مشتق من الرمض.
- وهو شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، والإسم: الرمضاء.
- وإنما اشتقت كلمة (رمضان) من هذا المعنى.
- لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحر.
- وقيل رمضان مشتق من (رمض الصائم): أى اشتد حرُّ جوفه.
- أو لأنه يحرق الذنوب
وقد اختص الله هذا الشهر الكريم بكثير من الفضائل والخيرات والبركات، منها:
أولاً: اختصاصه بفرضية الصيام فيه
والصيام ركن من أركان الإسلام التي لا يكمل إسلام العبد إلا بالقيام بها، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ } ذكر منها: { وَصَوْمِ رَمَضَانَ }
ولما تميَّز الصوم عن غيره من العبادات بكونه ركناً في الإسلام، وتميَّز عنها بفضائل كثيرة:
اختار الله تعالى أفضل الأوقات ليكون محلاً لأداء هذه العبادة الشريفة والركن الأساسي، وهو شهر رمضان، إذ اختصه الله عزَّ وجلَّ بعظيم الفضائل الكونية والربانية العميمة، وجعله سيداً للشهور كلها، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { سَيِّدُ الشُّهُورِ شَهْرُ رَمَضَانَ }
ثانياً: نزول القرآن فيه
اختص الله شهر رمضان من بين الشهور بإنزال القرآن فيه، قال تعالى فى محكم الكتاب:
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (185البقرة).
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
{ أُنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان، فوُضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على محمد صلَّى الله عليه وسلَّم منجَّماً - أى مفرقاً – بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة}
وكما اختار الله تعالى هذا الشهر لإنزال القرآن الكريم فيه؛ اختاره أيضاً لإنزال غيره من الكتب المقدسة السابقة عليه.
فقد ورد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، والإِنْجِيلُ لِثَلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لأرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ }
وفي هذا إشارة ربانية إلى تفضيل شهر رمضان، وتمييزه على غيره من الأوقات.
ثالثاً: إحتفاء الكون له، وكثرة الخير فيه
ففي شهر رمضان تُفتَّح أبواب الخير، وتُغلَّق أبواب الشر، وهو ما فُسِّر به قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ }
واختص الله عزَّ وجلَّ ليالي شهر رمضان كلها بكثرة الصِلات الربانية، والنفحات الإلهية، ومن ذلك ما ورد من قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ كُلُّهَا، لا يُغْلَقُ مِنْهَا بَابٌ وَاحِدٌ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَاحِدٌ، وَغُلَّتْ عُتَاةُ الشَّيَاطِينِ، وَنَادَى مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، إِلَى انْفِجَارِ الصُّبْحِ، يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ، يَا بَاغِيَ الشَّرِّ انْتَهِ، هَلْ مَنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَيُتَابَ عَلَيْهِ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى سُؤْلَهُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ، وَلِلَّهِ عزَّ وجلَّ عِنْدَ وَقْتِ فِطْرِ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، عُتَقَاءُ يَعْتِقُونَ مِنَ النَّارِ }
رابعاً: اختصاصه بليلة القدر
فضَّل الله عزَّ وجلَّ شهر رمضان بليلة القدر، بأن جعلها إحدى ليالي هذا الشهر الكريم، وهي الليلة التي أنزل الله عزَّ وجلَّ فيها القرآن على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وميَّزها عن سائر الليالي كافة، فصرَّح بذكرها في القرآن الكريم، ووصفها بأنها مباركة، وبأنها خير من ألف شهر، قال تعالى:
( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (3الدخان)
وقال أيضاً:
( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ .
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (1: 3القدر)
والمعنى: أن العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وإنما كان كذلك ؛ لما يريد الله فيها من المنافع والأرزاق وأنواع الخير والبركة.
خامساً: اختصاصه بكثير من المستحبات يتأكد فعلها فيه
ومن هذه المستحبات التي يتأكد فعلها في رمضان ويعظم أجرها فيه أكثر مما لو أديت في غيره:
1- مدارسة القرآن وكثرة تلاوته: خاصة في الليل كما جاء في الحديث:
{ أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ، وَأَصْحَابُ اللَّيْلِ }
وفي الحديث:
{ أن جبريل عليه السلام كان يلقى النَبِي فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ }
2- ختم القرآن: فقد كان من هدى السلف – رضوان الله عليهم – الحرص على ختم القرآن في رمضان، تأسياً بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم حيث كان من شأنه ذلك، فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
{ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ الْعَامَ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ }
وسُئل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: فَتْحَ الْقُرْآنَ وَخَتَمَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَمِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ }
3- الصدقة: وهي من أعظم الأعمال التي يثاب المسلم عليها، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ }
والفلو: هو المهر، أى الصغير من أولاد الفَرَس.
والصدقة عظيمة البركة على صاحبها، وعلى كل من ساهم فيها بوجه ما، فيعمهم الثواب والخير وإن قلَّت أياديهم فيها، كما ورد في الحديث الشريف عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:
{ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُدْخِلُ بِلُقْمَةِ الْخُبْزِ، وَقَبْضَةِ التَّمْرِ، وَمِثْلِهِ مِمَّا يَنْفَعُ الْمِسْكِينَ ثَلاثَةً الْجَنَّةَ: الآمِرُ بِهِ، وَالزَّوْجَةُ الْمُصْلِحَةُ، وَالْخَادِمُ الَّذِي يُنَاوِلُ الْمِسْكِينَ }
ومع عظيم فضل الصدقة بشكل عام، فإن الصدقة في رمضان أفضل من غيره من الشهور، فقد رُوي عن أنس رَضِيَ الله عنه:
{ سُئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ }
ولذا كان المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم أجود ما يكون في رمضان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: { كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ }
4- صلاة التراويح: وهي سُنَّة نبوية في أصلها، وعُمرية في كيفيتها، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }
وروى الحاكم عن النعمان بن بشير رَضِيَ الله عنه أنه قال:
{ قُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْنَا مَعَهُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لا نُدْرِكَ الْفَلاحَ، وَكُنَّا نُسَمِّيهَا الْفَلاحَ، وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ السَّحُورَ }
قال الحاكم: (فيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سُنَّة مسنونة، وقد كان عليّ بن أبي طالب رَضِيَ الله عنه يحث عمر رَضِيَ الله عنه على إقامة هذه السُنَّة إلى أن أقامها) .
5- تفطير الصائم: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً }
ولا يشترط أن يتكلف المسلم فوق طاقته لتفطير أخيه، بل إن ثواب تفطير الصائم يحصل بأقل القليل، تعويداً للناس على التآلف والتكافل، والإجتماع في هذه الساعة، فهي ساعة ذكر وإجابة دعاء وفرحة بالفطر، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ، وَعَتَقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ كُلُّنَا يَجِدُ مَا يُفْطِرُ الصَّائِمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مِنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مُذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ }
6- العمرة: وهي تعدل حجة في الثواب إذا أديت في رمضان – لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض – قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً }
وفي رواية: {حَجَّة مَعِي}
قال ابن العربي: ( حديث العمرة هذا صحيح، وهو فضل من الله ونعمة، فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها، فثواب الأعمال يزيد بزيادة شرف الوقت، أو خلوص القصد، أو حضور قلب العامل ) .
7- إحياء ليلة القدر:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }
كما نبَّه صلَّى الله عليه وسلَّم على عظم خسارة من لم يغتنم فضل هذه الليلة، فقال:
{ إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلا مَحْرُومٌ }
8- الإكثار من فعل النوافل:
فإن الطاعة في شهر رمضان لها مزية، وثوابها فيه مضاعف، قال الحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ }
ومن النوافل كثرة الذكر، فإنه ينير القلب والجوارح، قال الزهري:
{ تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره }
9- الإعتكاف:
وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، فإن الإعتكاف فيها سُنَّة مؤكدة كان يفعلها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ففي الصحيحين:
{ أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ }
شروط وجوب الصوم
* * * * * * * * * * * * * * *
صوم رمضان واجب بالإجماع، معلوم من الدين بالضرورة.
وهو أحد أركان الإسلام لقوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ) - أى: فرض - (عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ). أي: أيام شهر رمضان؛ حيث بينها الله تعالى بعد ذلك بقوله: ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) (183: 185البقرة). واتفق الأئمة الأربعة على أن صوم رمضان واجب على كل:
1) مسلم بالغ عاقل.
2) طاهر من حيض وأنفاس.
3) مقيم.
4) قادر على الصوم.
- فتتحقق القدرة على الصوم (بالصحة)، فلا يجب صوم رمضان على المريض ومن فى معناه، ممن تلحقه مشقة فوق استطاعته.
- (وبالإقامة) فلا يجب على المسافر.
- (وبعدم المانع شرعاً) فلا يجب على الحائض والنفساء.
- ومن أفطر في هذا الوقت لعذر فالصوم غير واجب عليه، إلا أن عليه قضاء هذه الأيام التي أفطرها بعد زوال المانع.
- أما من يتعذر عليه القضاء فعليه فدية، وذلك كالمريض مرضاً مزمناً لا يستطيع معه الصوم.
أنواع الصيام
* * * * * * * * * * * * * * *
الصوم إما أن يكون:
1- فرضاً.
2- أو مستحبَّاً.
3- أو مكروهـاً.
4- أو محرَّمـــاً.
أولاً: الصوم المفروض
1- صوم شهر رمضان.
2- صوم النذر: وهو إذا نذر المسلم أن يصوم يوماً أو أياماً لله عزَّ وجلَّ فإنه يجب عليه صيامها، ويجب صيام هذه الأيام بعينها إن عيَّنها في نذره.
3- صيام الكفارات: كما لو كان عليه كفارة يمين بالله، أو كفارة ظهار، أوكفارة الجماع في رمضان، أو كفارة القتل الخطأ، أو غير ذلك من الكفارات.
4- صوم المتمتع بالعمرة في أيام الحج إذالم يقدر على ذبح الهَدى الواجب عليه، فإنه يجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
5- صوم الفدية عن المخالفات التي وقعت من الحاج أو المعتمر أثناء الحج، أو العمرة، مثل:
- تقليم الظفر، أو نتف الإبط.
- أو إستعمال العطر.
- أو قتل الهوام والحشرات غير السامة والمؤذية.
- أو خلع ملابس الإحرام لغير عذر شرعي.
- أو لبس شيء من المحيط أو المخيط بالنسبة للرجل، أو غير ذلك من محرمات الإحرام.
ثانياً: الصوم المستحب
1- صيام ستة أيام من شوال لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ }
2- صيام يوم عرفة لغير الحاج، لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: {صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالسَّنَةَ الْبَاقِيَةَ }
3- صوم تسعة ذي الحجة:
يستحب لغير الحاج صيام تسعة أيام من أول ذي الحجة، لحديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قالت:
{ كَانَ رَسُول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ}
4- صيام يوم عاشوراء وتاسوعاء، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً }
وما ورد عن ابن عباس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
{ إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم }
5- صوم شهر المحرم، لحديث أبي هريرة أن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم قال: { أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ }
6- صوم يومي الإثنين والخميس، لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان أكثر ما يصوم الإثنين والخميس، فقيل له، فقال:
{ إِنَّ الأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إِلا الْمُتَهَاجِرَيْنِ، فَيَقُولُ: أَخِّرْهُمَا }
كما أكدت السيدة عائشة أنه صلَّى الله عليه وسلَّم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس، وقال الترمذي إنه حسن صحيح.
7- صوم ثلاثة أيام من كل شهر، لوصية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لسيدنا أبي هريرة رَضِيَ الله عنه كما حكى هو:
{ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ، صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ }
8- صوم داود، وهو صوم يوم وإفطار يوم، وهو أحب الصيام وأفضله، لحديث ابن عمرو أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
{ أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا }
9- الصوم في الأشهر الحرم:
وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، ويستحب فيها الصوم لحديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه صلَّى الله عليه وسلَّم قال: { صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، وكررها ثلاثاً }
10- الإكثارمن الصيام في شعبان، لما ورد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصوم أكثر أيام هذا الشهر، ولما سُئل عن ذلك قال:
{ هُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ }
11- الأيام الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر (صحيح البخاري – باب صيام الأيام البيض).
12- صوم العُزَّاب:
العزب هو من لا زوج له، فإذا لم يقدر على نفقات الزواج فليكثر من الصوم ليكسر الشهوة، لحديث ابن مسعود رَضِيَ الله عنه أنه : قال لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ }
ثالثاً: الصوم المحرم:
1- صوم يوم العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى.
2- صيام أيام التشريق الثلاثة لغير الحاج الذي عليه صيام واجب في أيام الحج، وهي اليوم الثاني والثالث والرابع من أيام عيد الأضحى.
3- أيام الحيض والنفاس.
4- صوم المريض الذي يخشى على نفسه الهلاك.
رابعاً: الصوم المكروه تنزيهاً:
1- صيام يوم عرفة للحاج.
2- صيام يوم الجمعة، أو السبت منفردين، لحديث:
{ لا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ، أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ }
3- صوم آخر شعبان، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلا تَصُومُوا }
خامساً: الصوم المكروه تحريماً:
1- صوم السَنة كلها، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ لا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ }
2- صوم المرأة غير رمضان بلا إذن زوجها وهو حاضر، لحديث المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ لا تَصُمْ الْمَرْأَةُ يَوْمًا وَاحِدًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ إلا رَمَضَان }
3- صوم يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان.
أركان الصيام
* * * * * * * * * * * * * * *
1- النيَّـــة:
وهي عزم القلب على الصوم، انقياداً لأمر الله،
أو تقرَّباً إليه سبحانه، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى }
- وإذا كان الصوم فرضاً، كصوم رمضان، أو قضاء رمضان، أو صوم نذر، أو صوم كفارة، أو صوم فدية الحج، فيُشترط إيقاعها ليلاً قبل الفجر، عند الجمهور لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ }
- لكنها تصحُّ عند الحنفية في الصوم المعين قبل الزوال.
- ومجرد التسحُّر يُعدُّ نيَّـةً مجزَّئـةً، لأن السحور في نفسه إنما جُعل للصوم.
- ويكون لكل يوم من رمضان نية مستقلة تسبقه.
- وأجاز الإمام مالك صوم الشهر كله بنية واحدة في أوله.
- أما صوم التطوُّع فتصح نيَّته بالنهار، قبل زوال الشمس، بشرط ألا يتقدم النيَّة ما ينافي الصوم ( أى يكون حاله كأنه صائم تماما من الفجر إلى حين أنتوى الصيام ).
2- الإمساك عن المفطرات، من أكل وشرب وجماع وغيرها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
* * * * * * * * * * * * * * *
مبطلات الصيام
* * * * * * * * * * * * * * *
1- إدخال طعام وشراب، وما في معناهما كالتدخين إلى داخل الجوف من منفذ معتاد مفتوح كالفم والأنف عمداً.
2- إيلاج العضو الذكري في فرج (قُبُل أو دُبُر) ولو بدون إنزال.
3- إخراج المـَني يقظة بأى سبب كلمس أو قُبْلة ونحو ذلك.
4- نزول دمى الحيض والنفاس.
5- طروء الجنون المطبق.
6- حصول الردِّة، أى الرجوع عن الإسلام.
7- الإستقاء العمد لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ }
فإذا غلبه القيء فقاء بدون اختياره فلا يفسد صومه.
8- من أكل أو شرب ظانَّاً بقاء الليل ثم تبيَّن له طلوع الفجر.
9- من أكل أو شرب ظاناً دخول الليل، ثم تبيَّن له بقاء النهار.
10- من أكل أو شرب ناسياً، ثم لم يُمسك ظانَّاً أن الإمساك غير واجب عليه ما دام قد أكل وشرب، فواصل الفطر إلى الليل.
صوم أصحاب الأعذار
* * * * * * * * * * * * * * *
يباح الفطر لمن وجب عليه الصوم إذا تحقق فيه أمر مما يلى:
1- العجز عن الصيام لكبر سن، أو مرض مزمن لا يمكن معه الصيام.
- وحُكمه:
إخراج فدية عن كل يوم وقدرها مُدٍّ من طعام لمسكين.
لقوله سبحانه وتعالى فى محكم الكتاب:
( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (184البقرة)
ومقدار المـُدِّ ( 510 جرامات ) عند جمهور الفقهاء.
2- المشقة الزائدة غير المعتادة:
- كأن يشق عليه الصوم لمرض يرجى شفاؤه.
- أو كان في غزو وجهاد.
- أو أصابه جوع أو عطش شديد وخاف على نفسه الضرر.
- أو كان منتظماً في عمل هو مصدر نفقته، ولا يمكن تأجيله، ولا يمكنه أداؤه مع الصوم.
- وحُكمه:
جواز الفطر ووجوب القضاء.
3- السفر:
- إذا كان السفر مباحاً.
- ومسافة السفر الذي يجوز معه الفطر قدَّرها العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو متراً فأكثر، سواء كان معه مشقة أم لا.
- والواجب عليه حينئذ:
قضاء الأيام التي أفطرها لقوله عزَّ وجلَّ :
( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (184البقرة)
4- الحمل:
- فإذا خافت الحامل من الصوم على نفسها جاز لها الفطر، ووجب عليها القضاء، لكونها في معنى المريض.
- أما إذا كانت تخاف على الجنين دون نفسها فإنها تفطر، ويجب عليها القضاء والفدية، وعند الحنفية أنه لا يجب عليها إلا القضاء.
5- الرضاعة:
وهي مثل الحمل، وتأخذ نفس الحكم.
6- إنقاذ محترم:
- وهو ما له حرمة في الشرع كمشرف على الهلاك، فإنه إذا توقف إنقاذ هذه النفس أو جزء منه على إفطار المنقذ جاز له الفطر دفعاً لأشد المفسدتين وأكبر الضررين.
- بل قد يكون واجباً كما إذا تعيَّن عليه إنقاذ نفس إنسان لا منقذ له غيره.
- ويجب عليه القضاء بعد ذلك.
الإفطار لغير عذر شرعي
* * * * * * * * * * * * * * *
أما الذي يفطر لغير عذر شرعي من الأعذار المذكورة، فيجب عليه:
- أولاً: التوبة:
لأن الإفطار في نهار رمضان بلا عذر كبيرة من الكبائر، لا كفارة لها إلا التوبة الصادقة، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ }
- ثانياً : الكفَّارة:
وقد شرع الله عزَّ وجلَّ الكفارة لذنوب شاءت إرادته أن تكون الكفارة سبباً في محوها ؛ رحمة بعباده، والله تعالى يريد التخفيف بالمغفرة والقبول، فمن قام بالكفارة كان أكثر رجاءاً في العفو لأداء ما عليه من كفارة رتبها الشرع في الدنيا.
- والإفطار قد يكون موجباً للقضاء والكفارة، أو أحدهما على ما يلي:
1- يكون الفطر موجباً للقضاء والكفارة وإمساك بقية اليوم، وهو عند الشافعية والحنابلة في تعمد قطع الصوم بالإيلاج في فرج (الجماع).
2- ويكون موجباً للقضاء، وإمساك بقية اليوم بلا كفارة، وموجبه ارتكاب ما عدا الجماع من المفطرات السابق ذكرها، وأوجب الحنفية والمالكية الكفارة في الأكل والشرب عمداً أيضاً.
والكفارة ثلاث خصال:
- الأولى: عتق رقبة عن كل يوم أفطره بالجماع.
وقد سقط هذا الحكم الآن لسقوط محله؛ حيث صدرت معاهدات دولية شارك فيها المسلمون بمنع الرق وإلغاءه، فينتقل المـُكَفِّر إلى الخصلة التالية مباشرة وهي:
- صيام شهرين متتابعين.
- فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
- فإن عجز عن كل هذه الأمور سقطت عنه الكفارة حتى يقدر على فعل شيء منها.
- وخصال الكفارة على التخيير عند المالكية ؛ فإذا فعل المـُكَفر أى خصلة منها أجزأته.
- وتتعدد الكفارة بتعدد المخالفة، فمن كرر المخالفة في يومين وجب عليه كفارتان.
مكروهات الصوم
* * * * * * * * * * * * * * *
وهي الأمور التي يثاب المرء على تركها، ولكنه إذا فعلها لا يبطل صومه، منها:
1- المبالغة في المضمضة والإستنشاق؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: { بَالِغْ فِي الإسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا }
2- تذوُّق الطعام لغير ضرورة.
3- أن يجمع الصائم ريقه ويبتلعه.
4- القبلة لمن تحرِّك شهوته، وكذا المباشرة ودواعي الوطء.
5- الحجامة، وهي إخراج الدم من الرأس، أو الفصد وهو إخراج الدم من الجسم خشية الضعف المؤدي إلى الإفطار.
6- شمُّ الروائح العطرية التي تجذبها أنفاسه إلى حلقه، كمسحوق المسك والبخور وما شابه.
7- الفكر في شأن الجماع.
8- إدامة النظر بشهوة إلى الزوجة.
9- تأخير الفطور إذا تعمَّد ذلك بدون سبب.
10- استعمال السواك بعد الزوال إلى الغروب.
11- الإنشغال باللهو واللعب؛ لما فيه من التَرَفُّه الذي لا يناسب الصوم ومعانيه الروحية.
المباح للصائم
* * * * * * * * * * * * * * *
يجوز للصائم فعل أشياء وصومه صحيح، أهمُّها:
1- الإغتسال ولو للتبرُّد، فقد صحَّ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: {كان يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ }
2- دهن الجسم أى الجلد أثناء الصوم بزيت أو كريم ونحوهما.
3- استعمال السواك قبل الظهر، وكذا فرشاة الأسنان دون معجون أو به، شريطة عدم وصول شيء منه إلى الحلق، وأن يكون قبل الظهر محافظة على: { وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ }.
4- النوم ولو استغرق جميع النهار، بشرط ألا يتعمَّد تضييع الصلوات، فإن ذلك حرام.
5- بلع ما يتعذر تجنُّبه كغبار الطريق، أو دخان، أو روائح يعسر تجنُّبها.
6- التداوي الظاهري من وضع دواء على جروح وقروح، وعلاج كسور، ووضع قطرة في أذن وعين لكونهما ليستا منفذين لداخل الجوف.
7- الحُقَن عن طريق الجلد بكافة أنواعها، تداوي أو غذاء، لأن العضل والوريد ليسا منفذين مفتوحين كالفم والأنف.
الحقنة الشرجيَّة: اختلف أهل العلم في الحقنة الشرجية من الدبر، فيرى الجمهور عدا المالكية أنها مفطرة، ويرى المالكية والظاهرية وابن تيمية الكراهة دون إفساد الصوم، وهو الراجح، خاصة في الضرورة الطبية، ويقاس عليها وصول ماء من وسائل قضاء الحاجة من شطافات المياه لظاهر الدبر وآخره من المنتهى أسفل.
8- الإكتحال وما في معناه من وسائل تجميل الرموش والأجفان، وورد أن سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يكتحل في نهار رمضان.
9- أخذ دم من الوريد للتبرع أو لعمل تحاليل.
10- خلع الأسنان شريطة عدم تعمد بلع دم، أو سوائل علاجية، ولا يضر التخدير الموضعي.
11- بلع اللعاب والبلغم وما أشبه.
12- إستعمال الغرغرة والمضمضة؛ شريطة عدم وصول شيء للحلق.
13- إستعمال اللبوس العلاجي في قُبُل أو دُبر، لأنه ليس طعاماً ولا شراباً ولا ما في معناهما.
14- إستعمال بخاخ ضيق التنفس (بخاخ الربو) لأنه غاز ويتبخر ولا يصل إلى المعدة .
15- عمل الحجامة – عند جمهور الفقهاء- لأن العبرة مما دخل لا مما خرج.
16- الفحص الشرجي، والفحص المهبلي لأنهما ليسا جماع ولا معناه، وقاله المالكية.
17- ذوق الطعام لحاجة كأم وطابخة بطرف اللسان دون بلع.
18- عمل أشعة على الصدر والقلب والقولون والرحم أثناء الصوم، لأنها ظاهرية خارجية، ولو وضع كريمات ومواد طبية على الجلد الخارجي فلا تفطر.
19- عمل رسم قلب، ولو صاحبه وضع مواد طبية على ظاهر الجلد.
20- يباح للصائم أن يصبح جُنُباً – أى يؤذن للصبح وهو جنب فيغتسل ليصلى الفجر- لحديث السيدة عائشة وأم سلمة أن النبى صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ كَان يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلامٍ ثُمَّ يَصُومُ }
21- الإحتلام، ولا شيء على المحتلم الصائم.
22- الأكل أو الشرب خطأ أو نسياناً، لحديث:
{ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلا كَفَّارَةَ }
23- مضغ الطعام لطفل صغير، لا يجد من يمضغ له طعامه المحتاج إليه، بحيث لا يصل منه شيء إلى جوف الصائم.
24- الأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، وهي تُمتص مباشرة بعد وضعها بوقت قصير، فيحملها الدم إلى القلب، فتمنع الأزمة المفاجئة، ولا يدخل الجوف منها شيء، فلا تفطر لأنها للعلاج وليست للغذاء، ثم إنها لا تُعد أكلاً ولا شرباً، كما أنها ليست في معنى الأكل أو الشرب، ولا يدخل منها شيء إلى الجوف، بل هي تذوب تحت اللسان، وإن دخل منها شيء يعفي عنه قياساً على المتبقي من المضمضة والإستنشاق والسواك .
25- إستعمال غاز الأوكسجين في الأغراض العلاجية غير مفطر، لأنه في حكم التنفس الطبيعي، باعتباره البديل الطبي له، ولأنه هواء ولا يحتوي على مواد عالقة أو مغذية، ويذهب معظمه إلى الجهاز التنفسي .
26- يشبه بخاخ الأنف بخاخ الربو، من حيث كونه دواء يحتوي على ثلاث عناصر، و هي: الماء والأوكسجين والمستحضرات الطبية، وإستعماله يكون عن طريق أخذ شهيق عميق مع الضغط على البخاخ، وعندئذ يتطاير الرذاذ ويدخل عن طريق الأنف إلى البلعوم، ومنه إلى القصبة الهوائية، وتناوله في نهار رمضان لمرضى الصدر جائز مع صحة الصوم، قياساً على بخاخ الربو .
ومما قرره مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة صفر 1418هـ يونيو ويوليو 1997م، بعد اطلاعه على بحوث وتوصيات الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الدار البيضاء بالمغرب صفر1418هـ يونيو1997م، والنظر في الأدلة من الكتاب والسُنَّة، قرَّر أن كلاً من:
- قطرة العين.
- قطرة الأذن، وكذلك غسول الأذن.
- وأيضاً قطرة الأنف، وبخاخ الأنف.
لا تعتبر كلها من المفطرات إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
27- إدخال القسطرة في الشرايين ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما، وإذاً فهي لا تُفطر، وهذا ما أخذ به المجمع الفقهي في مكة المكرمة ، وننبه على الأخذ برخصة الإفطار فى مثل هذه الأحوال.
28- غسيل الكلى:
- إذا صاحبه تزويد للجسم بمواد مغذية سكرية أو غيرها؛ فإنه يُعد من المفطرات، لأن هذه المواد بمعنى الأكل والشرب والجسم يتغذى بها ويتقوى.
- أما إذا لم يكن معه مواد مغذية فإنه لا يعتبر من المفطرات، لأنه مجرد تنقية للدم من المواد الضارة، ولا يوجب الفطر.
29- التطعيم ضد الجدري والكوليرا والتيفود وغيرها لا يفطر
30- استحمام الصائم في البحر لا يفطره.
* * * * * * * * * * * * * * *
* * * * * * * *
مُسْتَحَبَّات الصوم
* * * * * * * * * * * * * * *
1- التَّسَـحُّر؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً }
ويحصل السحور بكثير الطعام وقليله، ووقته بدخول نصف الليل.
2- تأخير السحور؛ لما رُوي عن زيد بن ثابت رَضِيَ الله عنه قال:
{ تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً }
3- تعجيل الفطر؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ }
4- أن يفطر الصائم على رطب، أو تمر، أو ماء، وأن يكون وتراً، لحديث أنس رَضِيَ الله عنه قال: { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ }
5- الدعاء عند الفطر؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ ، وذكر منهم: وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِر }
وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو عقب الإفطار فيقول:
{ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ }
وكان ابن عمر رَضِيَ الله عنه – إذا أفطر – يقول:
{ اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء اغفر لي }
6- الكفُّ عما يتنافى مع الصيام وروحانيته، كالكذب، والغيبة، والنميمة، وقول الزور، وكسب الحرام، والتشوق إلى الطعام أو الجماع، والشتم، والسب، والقذف، والعراك، والشجار، والغش .... وبالجملة كل المحظورات التي حرَّمتها الشريعة، وجرَّمت فاعلها بالإثم والعصيان، فعن أبي هريرة رَضِيَ الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
{ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ }
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ }
7- الإكثار من تلاوة القرآن، والأكمل أن تكون التلاوة مع المدارسة والتدبر والتمعُّن، ففي الحديث الشريف:
{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ }
8- الإكثار من الصدقة، ففي الحديث الشريف:
{ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ }
9- الإغتسال من الجنابة قبل الفجر، إن تيسَّر، ليكون الصائم على طهارة من أول صومه.
10- إعانة الصائمين والقائمين والمتعبدين على طاعتهم لحديث: {مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ }
* * * * * * * * * * * * * * *
فتاوى عصرية في الصيام
** ** ** ** ** ** ** **
(1)- ما حكم الحجامة، ونقل الدم أثناء الصوم؟
o اتفق جمهور الفقهاء على أن الحجامة لا تفسد الصوم، لأن الفطر مما دخل لا مما خرج، وهذا ضابط أغلبي، ومثل الحجامة في الحكم نقل الدم، فإنه لا يؤثر على صحة الصوم، لكن بشرط أن يأمن الصائم على نفسه الضعف والضرر.
* * * * * * * * * *
(2)- ما حكم تناول المرأة لأدوية تؤخر الحيض لتصوم الشهر كاملاً؟
o يجوز لها ذلك ما لم يثبت ضرر ذلك طبياً، لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وصف للنساء تعاطي ماء الأراك في الحج لمنع نزول دم الحيض.
* * * * * * * * * *
(3)- ما حكم عمل الفحص المهبلي أثناء الصيام؟
o الفحص المهبلي الذي يتم فيه إدخال آلة الكشف الطبي في فرج المرأة يُفسد الصوم عند الجمهور، خلافاً للمالكية ؛ حيث أن الإحتقان بالجامد – في الدبر أو فرج المرأة – لا يفسد الصوم عندهم.
o وعلى ذلك فيمكن لمن احتاجت إلى ذلك من النساء حال صيامها أن تقلد المالكية، ولا يفسد الصوم بذلك حينئذ، وإن كان يستحبُّ لها القضاء خروجاً من الخلاف.
* * * * * * * * * *
(4)- ماحكم التدخين أثناء الصيام؟
o التدخين مع كونه عادة سيئة محرَّمة تضر بصحة الإنسان، فهو أيضاً مفسد للصوم موجب للقضاء، لأن الدخان الناتج عن حرق التبغ يتكاثف داخل الأنف وينزل إلى الصدر، فيكون جرماً دخل جوفاً.
* * * * * * * * * *
(5)- ما حكم من أفطر قبل غروب الشمس ظانَّـاً غروبها؟
o يبطل صومه ؛ لأنه لا عبرة بالظن البيِّن خطؤه، وعليه الإمساك بقية اليوم والقضاء.
* * * * * * * * * *
(6)- ما حكم من أكل أو شرب بعد طلوع الفجر دون أن يعلم بطلوعه؟
o لا يصح صيامه وعليه القضاء، وإمساك بقية اليوم لحرمة الشهر.
* * * * * * * * * *
(7)- ما حكم إستعمال الحقن الشرجية أثناء الصوم؟
o مذهب جمهور العلماء أنها مفسدة للصوم إذا استعملت مع العمد والإختيار، لأن فيها إيصالاً للمائع المحقون به إلى الجوف من منفذ مفتوح.
o وهناك قول للمالكية أنها مباحة لا تفطر، وهو وجه عند الشافعية.
o وفي قول آخر عند المالكية أنها مكروهة، ويستحب قضاء الصوم بإستعمالها.
o وبناءاً على ذلك فيمكن تقليد هذا القول عند المالكية لمن ابتلي بالحقنة الشرجية ونحوها في الصوم، ولم يكن له مجال في تأخير ذلك إلى ما بعد الإفطار، ويكون صيامه حينئذ صحيحاً ولا يجب القضاء عليه، وإن كان يستحب القضاء خروجاً من خلاف جمهور العلماء.
* * * * * * * * * * * * *
(8)- ما حكم بلع البلغم؟
o بلع البلغم أثناء الصيام لا يفطر إلا إذا أخرجه الصائم ثم ابتلعه فإنه يكون مفطراً.
* * * * * * * * * * * * *
(9)- ما حكم سبِّ الدِين في نهار رمضان؟
o إن قصد الساب للدِين ذات الدِين انتقاصاً أو احتقاراً فهو مرتدٌّ فسد صومه، وحبط عمله، وفسخ نكاحه من زوجه، وعليه الإغتسال، والتوبة، والنطق بالشهادتين، وإنشاء عقد زواج جديد، وقضاء صلوات مفروضة في يومه، وقضاء صوم اليوم.
o وإن لم يقصد الدِين مثل فعل العوام، والجهلة، وذوي الأخلاق الرديئة، فهو مسلم عاصٍ فاسق، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ }
o وعليه الإستغفار، وصومه صحيح، أما قبوله فمردُّه إلى الله عزَّ وجلَّ .
* * * * * * * * * * * * *
(10)- ما حكم من مات وعليه صيام واجب؟
o إن كان قد فاته بعذر كمرض لم يمكنه من القضاء، بأن استمر حتى مات صاحبه فلا إثم عليه.
o وإن فاته بغير عذر، أو بعذر وتمكن من القضاء، وتكاسل عنه، فلم يقضه حتى مات، يُخَيَّر وليه بين أن يصوم عنه لكل يوم يوماً، أو يطعم مسكيناً عن كل يوم.
o فإن لم تكن له تركة لم يلزم ورثته قضاء ولا إطعام.
(11)- ما حكم مشاهدة المرئيات والمسموعات؟
o إن كانت أشياءاً مباحة فلا تفطر بل مكروهة، وإذا كانت عورات وحرمات كمواقع الجنس والأفلام الإباحية فهي محرَّمة مطلقاً فى رمضان وفى غيره.
* * * * * * * * * * * * *
(12)- ما حكم الصوم مع ترك الصلاة؟
o الصوم صحيح، وثوابه ناقص إن تقبله الله.
o وعليه وزر ترك الصلاة.
* * * * * * * * * * * * *
(13)- ما حكم الجمع بين قضاء ما فات من رمضان مع ستة شوال؟
o لو قضى ما فاته من صوم رمضان في شهر شوال حصل بصومه قضاء ما فاته من صوم رمضان، وحصل له ثواب ستة من شوال، على أن تكون نيته قضاء ما فاته في رمضان.
* * * * * * * * * * * * *
(14)- سمع الصائم أذان الفجر وهو يأكل أو يشرب أو يجامع فامتنع فوراً؟
o صومه صحيح.
(15)- لا يفطر المبسور ( مريض البواسير) بخروج مقعدته ورَدِّها.
* * * * * * * * * * * * *
(16)- لا دخل لملابس المرأة في إفساد الصوم.
* * * * * * * * * * * * *
(17)- لو ابتلي شخص بدم لثته دائماً أوغالباً وشقَّ الإحتراز عنه؟
o يعفى عن أثره، ويتسامح في هذا.
* * * * * * * * * * * * *
(18)- خرج من الصائم مَنِّي أومَذِّي بسبب مرض؟
o لا شيء عليه بالشبهة بالبول، لخروجه بلا شهوة وبلا سبب منه.
* * * * * * * * * * * * *
(19)- ما الأحوال التي يفطر فيها المريض؟
o قرر الثقاة من الأطباء، وهم أهل ذكر في تخصصهم أحوالاً يفطر فيها المريض أثناء الصيام، وعليه القضاء، لقول الله عزَّ وجلَّ : ) فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (184البقرة)
o فمن ذلك:
1- الأمراض الحادة، وما يهدد حياة المريض باليقين أو غلبة الظن، ومن أمثلة ذلك:
حالات إرتفاع وهبوط ضغط الدم الشديدين.
حالات ارتفاع وهبوط مستوى سكر الدم الشديدين.
الحمى الشديدة.
الفشل الكلوي.
الفشل الكبدي.
الإستسقاء.
الإعتلال الدماغي.
الجلطة الدماغية.
النزيف الشديد.
الإسهال الشديد والجاف.
2- الأمراض المزمنة التي لا يتغلب عليها إلا بأخذ دواء من الفم، مُسَكِّن أو غيره.
3- إذا أدى الصوم إلى زيادة المرض مثل حصوات الكلى للحاجة لشرب الماء الكثير، ومريض الجلطة لكون الصيام يقلل سيولة الدم.
4- إذا كان الصيام يؤخر الشفاء كالنقاهة بعد عمليات جراحية كبيرة أومتوسطة، أو بعد معاناة أمراض شديدة، أوحالات نقص التغذية والهزال الشديد.
* * * * * * * * * * * * *
(20)- ما حكم البنج في الصوم؟ وكذلك ما حكم الإغماء؟
البنج مادة مخدرة تستعمل لتخدير الجسم أثناء إجراء العمليات الجراحية، وهو من حيث إستعماله نوعان: تخدير كلي، وتخدير موضعي.
o أما عن حكم التخدير الموضعي فإنه لا يفطر لعدم دخول أى شيء منه إلى الجوف، ثم هو لا يفقد المريض أية درجة من الوعى، إذ أن تأثيره ليس على العقل والتركيز، وإنما على العضو المريض فقط.
o وأما التخدير الكلي فغالباً ما يكون معه فقدان الوعى ؛ ولذلك اختلف الحكم فيه، هل هو مفطر أم لا؟
o فالحنفية وبعض الشافعية يرون أن الصوم صحيح لأن النية قد صحت، وزوال الإستشعار بعد ذلك لا يمنع صحة الصوم كالنوم.
o قال ابن عابدين: المغمى عليه لا يقضي اليوم الذي حدث الإغماء في ليلته لوجود النيَّة منه ظاهراً .
o وقد نوقش هذا الرأى بأن قياسه على النوم ليس دقيقاً، لأن النوم عادة لا يزيل الإحساس بالكلية، ثم إن النائم ثابت العقل كالمستيقظ، ومتى نُبه انتبه، أما المغمى عليه فخلافه، لأن الإغماء يزيل العقل، فأشبه بالجنون ؛ ولذا فإن ولاية النائم ثابتة على ما له بخلاف المغمى عليه .
o أما المالكية وجمهور الشافعية والحنابلة فيرون أن من أغمي عليه في جميع النهار فصومه ليس بصحيح؛ لإفتقاد المغمي عليه معنى الصوم، وهو الإمساك، حيث أنه فاقد للوعى، ولا يصدق عليه إسم الصائم، أما إذا أفاق في أى جزء من النهار صح صومه لأنه لا دليل على بطلانه، وقد حصلت نية الإمساك في جزء من النهار .
o وقد نوقش هذا الرأى بأن الصوم يعني الإمساك مع النية ؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يرويه عن الله تعالى:
{ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي }
o وعليه فإن المغمي عليه لا يضاف الإمساك إليه، ومن ثم
لا يصح صومه لأن النية وحدها لا تكفي، وكذا
الإمساك وحده .
o والراجح أن الإغماء الذي سببه التخدير الكلي وما يشبهه، إذا وجد في جميع النهار وجب على المغمي عليه قضاء هذا اليوم.
o أما إذا أفاق في أى جزء من النهار مع تبييت النية ليلاً صح صومه، والأولى الأخذ بالرخصة والفطر لأجل المرض.
* * * * * * * * * * * * *
(21)- متى يكون بدء الصوم وانتهاؤه في البلاد التي يطول نهارها؟
إن سُنَّة الله في التكاليف ترد على غالب الأحوال دون التعرض لبيان حكم ما يخرج على هذا الغالب، وفي كل تكليف تخفيف ّ
من الله ورحمة.
o والخطاب بفرض الصوم موجه إلى المسلمين أياً كانت مواقعهم على أرض الله، دون تفرقة في أصل الفرضية بين جهة يطول ليلها، أو يستمر الليل أو النهار دائماً.
o ويبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على الأرض، دون نظر أو اعتداد بمقدار ساعات الليل أو النهار، كما لم يقصد الإسلام بتكاليفه للناس عنتاً، ولا إرهاقاً ولا مشقة، بل على العكس يقصد ما في الوسع واليسر ورفع الحرج، قال الله تعالى:
( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (78الحج)
o ولهذا لما ظهر أن على الأرض جهات يطول فيها النهار حتى لا يكون ليلها إلا جزءاً يسيراً، أو يطول ليلها حتى لا يكون نهارها إلا ضوءاً يسيراً كذلك، وجهات يستمر فيها الليل نصف العام، بينما يستمر النهار النصف الآخر، وجهات أخرى على العكس من ذلك، جاز للمسلمين المقيمين في البلاد التي يطول فيها النهار ويقصر فيها الليل أو العكس أن يخيروا بين أمرين:
- أحدهما: أن يتخذوا من مواقيت البلاد المعتدلة مثل مكة والمدينة معياراً للصوم، فيصومون قدر الساعات التي يصومها المسلمون في واحدة من هاتين المدينتين.
- والأمر الآخر: أن يحسبوا وقت الصوم باعتبار زمنه في أقرب البلاد - اعتدالاً – إليهم، وبهذا تتحقق الحكمة دون مشقة.
- وعلى هذا ففى البلاد التى يطول نهارها فيراعى أن يبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على الأرض، ويستمرون في الصيام بقدر ما يصوم أهل البلاد المعتدلة، أو أقرب بلد معتدل، إستنباطاً من حديث الدجال قبيل الساعة، وأنه:
{ ينزل أرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، فقال الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ }
وفي هذا امتثال لأوامر الله وتحقيق مراده في تنزيل شرعه، ورحمة عباده، قال تعالى فى (185 البقرة):
( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
* * * * * * * * * * * * *
22- ما حكم صيام المتنقل بين بلدين مختلفتى الرؤيا؟
o من صام تبعاً لرؤية بلد يوماً كاملاً، أو أياماً ثم سافر إلى بلد آخر تختلف فيه رؤية الهلال عن البلد الذي خرج منه، إما بزيادة في الأيام، أو نقص فيها، فعليه إتباع البلد الذي يكون فيه صوماً وإفطاراً، فلا يفطر في بلد يصوم أهلها، ولا يصوم في بلد يحتفل أهلها بالعيد.
o فإن تجمع له من أيام الصوم تسعة وعشرون أو ثلاثون، فلا شيء عليه، وإن كان أقل من ذلك قضى الأيام التي يكمل بها صومه تسعة وعشرين ؛ لأن أقل الشهور تسعة وعشرون، لما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
{ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ }
ولعلَّ هذا يكون دافعاً للمسلمين إلى توحيد الرؤية، وتحديد بداية الشهور ونهاياتها، تحديداً يجمع الله به شمل الأمة ويوحد الكلمة.
* * * * * * * * * * * * *
(23)- ما حكم منظار المعدة؟
هذا المنظار عبارة عن جهاز طبي يدخل عبر الفم إلى البلعوم، ثم إلى المريء، ثم إلى المعدة، ويقوم بتصوير المعدة من الداخل لمعرفة ما فيها من أمراض، وإستخراج عينة من المعدة لفحصها، أو لغير ذلك من الأغراض الطبية.
o وبناءاً على الرأى القائل بأنه لا يفطر إلا المغذي فقط، فإن المنظار لا يفطر لكونه جامداً لا يغذي، وهذا ما اختاره مفتي الديار المصرية الأسبق فضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله تعالى ، وهذا هو الأقرب للصواب ؛ لأنه لا يمكن إعتبار عملية إدخال المنظار أكلاً في اللغة، ولا في العرف، فهو عملية علاجية بحتة، وما يكون فيها من مادة دهنية لتسهيل عملية الدخول يعفي عنها ؛ لكون الحاجة داعية إليها، وقياساً على ما تبَقَّى من أثر المضمضة والإستنشاق والسواك.
o ونعود فننبه بما سبق أن أشرنا إليه وهو أن المريض له حق الأخذ بالرخصة، وهي الفطر مع القضاء، أو الفدية، حسب حالته، أو النزول على هذا الرأى المجيز صيامه إن اختار ذلك.
* * * * * * * * * * * * *
(24)- ما سبب رائحة الفم الكريهة أثناء الصيام؟
o يؤدي عدم الأكل أو الشرب إلى تَكَوُّن طبقة بيضاء على اللسان، وهذه الطبقة عبارة عن لعاب هلامي ثقيل، يمكن للبكتيريا اللاهوائية أن تعيش وتتكاثر تحتها، مفرزة مادة الكبريت ذات الرائحة المقززة.
o أيضاً العطش يؤدي إلى تقليل إفراز اللعاب الذي يحد من نمو وتكاثر البكتيريا، ويقوم بإذابة المخلفات الكبريتية، وبالتالي إلى تقليل الرائحة الكريهة.
* * * * * * * * * * * * *
(25)- كيف يمكن التغلب على رائحة الفم الكريهة أثناء الصيام؟
o إزالة الطبقة البيضاء المتكونة على اللسان بإستخدام أحد أدوات تنظيف اللسان لكشف البكتيريا اللاهوائية النامية تحتها مما يعرضها للهواء، وبالتالي يؤدي إلى هلاكها، ويمكن إستخدام فرشاة الأسنان في ذلك.
o شرب كميات كبيرة من الماء، أو السوائل أثناء فترة الإفطار، تؤدي إلى توفير كمية أكبر من اللعاب أثناء الصيام.
o استخدام خيوط التنظيف وعدم إستخدام خلة الأسنان وذلك كما ينصح أطباء الأسنان.
o تنظيف اللسان والحلق باستخدام نفس الفرشاه.
o المضمضة بغسول الفم، مثل محلول ماء الأكسجين (الهيدروجين بيروكسيد المخفف) المتواجد بالصيدليات لهذا الغرض، وغيره من أنواع المضمضة لقتل باقي البكتيريا العالقة باللسان.
o وذلك بعد إزالة الجير عند طبيب الأسنان.
* * * * * * * * * * * * *
* * * * * * * *
قربات رمضان
* * * * * * * * * * * * *
أولاً: صلاة التراويح
* * * * * * * * * * * * *
وهي صلاة القيام في ليالي شهر رمضان.
والتراويح في اللغة: جمع ترويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة.
وسميت الترويحة بهذا الإسم في شهر رمضان؛ لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات.
مشروعيتها:
- ولقد اتفق المسلمون على سُنِّية قيام ليالي رمضان عملاً بقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }
- وخاصة الليالي العشر الأخيرة، طلباً لليلة القدر، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ اطْلُبُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، مِنْ رَمَضَانَ }
- وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ }
- هي سُنَّة مؤكدة للرجال والنساء، وليست واجبة،
فمن تركها حُرِمَ أجراً عظيماً، ومن زاد عليها فلا حرج عليه، ومن نقص عنها فلا حرج عليه.
- تكون بعد صلاة ركعتى سُنَّة العشاء البعدية.
- يستمر وقتها إلى طلوع الفجر.
- تُسن أن تكون في جماعة.
- يُسن أن يوتر بعدها.
عدد ركعاتها:
- قد صلاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثماني ركعات كما ورد في الموطأ.
- وصلاها إحدى وعشرون كما قال الحافظ في الفتح.
- وصلاها سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ الله عنه عشرين ركعة.
- وهذا الأخير هو ما عليه عمل المسلمون سلفاً وخلفاً في اجتماعهم لهذه الصلاة، وهو معتمد المذاهب الفقهية الأربعة أنَّ صلاة التراويح عشرون ركعة من غير الوتر، وثلاث وعشرون ركعة بالوتر، وهذا بإجماع الصحابة من عهد عمر رَضِيَ الله عنه.
- ويُستحب ختم القرآن في صلاة التراويح خلال شهر رمضان، قال العلامة الدردير في الشرح الصغير:
{ وندب الختم فيها: أى التراويح؛ بأن يقرأ كل ليلة جزءاً يفرِّقه على العشرين ركعة }.
- صلاة التهجد:
جرت عادة الناس في عصرنا على تخصيص عدد من الركعات في آخر ساعات الليل غير صلاة التراويح، سموها صلاة التهجد، وذلك في الليالي العشر الأخيرة من رمضان، وهو أمر محمود، لما فيه من الإلتماس لبركة هذا الوقت، وللأحاديث الواردة في فضل قيامه، وإجابة دعاء السائلين فيه، وتحرِّياً لليلة القدر التي أمرنا أن نتحراها لفضلها، والدليل على ذلك قوله تعالى:
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) (79الإسراء)
ثانياً: ختم القرآن
* * * * * * * * * * * * *
مدتـــــــه:
كان للسلف رَضيَ الله عنهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه:
- فمنهم من كان يختم القرآن في اليوم والليلة مرَّة.
- وبعضهم مرتين.
- وانتهى بعضهم إلى ثلاث.
- ومنهم من كان يختم في الشهر مرة.
من السنن عند ختم القرآن:
- ويُسن الدعاء عقب ختم القرآن، لما رُوى عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:
{ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ }
- قال النووي:
{ قال السلف: يستجاب الدعاء عند الختم، وتنزل الرحمة، واستحبوا الدعاء بعد الختم استحباباً متأكداً وجاء فيه آثارٌ كثيرة، ويلح في الدعاء، ويدعو بالمهمات، ويكثر من ذلك في صلاح المسلمين، وصلاح ولاة أمورهم، ويختار الدعوات الجامعة }
- ويستحب حضور مجلس ختم القرآن استحباباً متأكداً، فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
{ لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ - أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ - وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ }
- ورُوي عن أنس رَضِيَ الله عنه:
{ أنه كان إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم }
- ويُسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لما رُوي عن ابن عباس أنه روى عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ قال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ، قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: فَتْحَ الْقُرْآنَ وَخَتَمَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَمِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ }
ثالثاً: الإعتكاف
* * * * * * * * * * * * *
الإعتكاف هو:
- الإقامة الكاملة في المسجد، وعدم الخروج في مدة معينة.
- على نية التقرب إلى الله عزَّ وجلَّ .
- ومقصده وروحه إنما هو عكوف القلب على الله، وجمعيته عليه، والفكر في تحصيل مرضاته، وما يقرب منه، حتى لا يصير أُنسه إلا بالله.
- واختُصَّ الإعتكاف بالمسجد لئلا تُترك به الجمعة والجماعة، فإن الخلوة القاطعة عنها لا خير فيها، ومن ثم سُئل ابن عباس عمن يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يشهد جمعة ولا جماعة، فقال:
{ هذا في النار }
ثبوتـــه أو مشروعيته ووقته:
والإعتكاف ثابت بالقرآن والسُنَّة والإجماع:
- أما القرآن فقد قال الله تعالى:
( وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) (187البقرة)
- ومن السُنَّة عن عائشة رضي الله عنهَا قالت:
{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ }
- وعنها أيضاً قالت:
{ كَانَ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ }
- والإعتكاف مستحب في كل وقت، سواء أكان في رمضان أم في غيره.
- وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره، لطلب ليلة القدر بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء، فإنها أفضل ليالي السنة.
مدتــه:
- ليس للإعتكاف وقت محدد.
- وأقله الزيادة على قدر الطمأنينة.
- ولا حدَّ لأكثره.
- واتفق العلماء على أنه يستحب لداخل المسجد أن ينوي الإعتكاف ولو كان مكثه يسيراً.
شروط صحته:
- الإسلام.
- العقـــل.
- الخلوُّ من الحدث الأكبر.
أركان الإعتكاف:
- اللبث في المسجد.
- النيَّـة.
- المعتَكِف.
- المعتَكَفُ فيه (وهو المسجد) ويجوز في جميع المساجد.
- وأجاز بعضهم للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها.
ما يفعله المعتكف:
- يستحب للمعتكف أن يذكر الله، ويسبحه، ويستغفره، ويُصلِّي على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ويتلو القرآن، ويذاكر العلم.
- ولا يشغل نفسه بما لا يعنيه، ويُكره له الصمت عن الكلام.
- ويُستحب له الخروج لقضاء حاجته.
- وأن يتطيب ويحلق رأسه، ويُقلم أظفاره، وينظف بدنه، ويلبس أحسن الثياب.
- ولو خرج بغير عذر مباح فسد اعتكافه.
رابعاً: ليلة القدر
* * * * * * * * * * * * *
ليلة القدر هي ليلة من ليالي شهر رمضان:
- تنزل فيها مقادير الخلائق إلى السماء الدنيا.
- ويستجيب الله فيها الدعاء.
- وهي الليلة التي نزل فيها القرآن العظيم.
تسميتها:
وسميت ليلة القدر بذلك:
- لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السَنَة؛ لقوله تعالى فى محكم التنزيل:
( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) (4الدخان)
- وقيل: سميت به لعظم قدرها عند الله.
- وقيل: لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها.
- وقيل: لأن للطاعات فيها قدر.
طلبها:
- ويستحب طلبها في جميع ليالي رمضان.
- وفي العشر الأواخر آكَد.
- وفي ليالي الوتر منه آكَد، فقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ }
ما يعمل فيها:
- عن عائشة رضي الله عنهَا قالت:
{ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي }
- ويستحب أن يجتهد المسلم فيها بطاعة الله، وذكره، والدعاء.
قال ابن قدامة في المغني:
( قال بعض أهل العلم:
أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ؛ ليجتهدوا في طلبها، ويجِدُّوا في العبادة في الشهر كله، طمعاً في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، ليكثروا من الدعاء في اليوم كله، وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء، ورضاه في الطاعات، ليجتهدوا في جميعها، وأخفى الأجل وقيام الساعة ليجِدَّ الناس في العمل حذراً منهما ).
علاماتــها:
وقد ورد في الحديث الشريف أنه من علامات ليلة القدر:
- أن تطلع الشمس لا شعاع لها.
- فقد ورد عن أبي كعب في ذكر علامة ليلة القدر كما أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه أن أمارتها:
{ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا }
- وفي بعض الأحاديث:
{ كَأَنَّهَا طَسْتٌ }
- ورُوي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال:
{ وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا، لا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَجْرُهَا }
ماذا يرى ليلة القدر:
- وقيل: إن المـُطَّلع على ليلة القدر يرى كل شيء ساجداً.
- وقيل: يرى الأنوار ساطعة في كل مكان، حتى في المواضع المظلمة.
- وقيل: يسمع سلاماً أو خطاباً من الملائكة.
- وقيل: من علاماتها استجابة دعاء من وفق لها.
- ولا ينبغي أن يُعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق، بل فضل الله تعالى واسع، ورُبَّ قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خوارق، وآخر رأى الخوارق من غير عبادة، والذي حصل على العبادة أفضل، والعبرة إنما هي بالاستقامة، بخلاف الخارقة، فإنها قد تقع كرامة، وقد تقع فتنة.
- عن أبي هريرة رَضِيَ الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }
خامساً: صدقة الفطر
* * * * * * * * * * * * *
زكاة الفطر:
- هي ما يخرجه المسلم من ماله للمحتاجين، طهرة لنفسه، وجبراً لخلل الصوم.
- وهي واجبة لسد حاجة الفقراء، والتوسعة عليهم، وإدخال السرور على قلوبهم.
- ورد فى الحديث الشريف:
{ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ }
مقدارها:
- صاع عن كل فرد من غالب قوت البلد = 2,5كجم تقريباً، تجوز الزيادة، ولا يجوز النقص.
- وأجاز بعض الأئمة إخراجها قيمة، قاله الحنفية، وجماعة من التابعين، ورواية مخرجة عن الإمام أحمد، والإمام الرملي من الشافعية، والباحثون الشرعيون بجامعة الأزهر بمصر (الفقه)، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ودار الإفتاء المصرية، وغيرهم.
من يخرجها:
- يخرجها من يملك قوت نفسه، وقوت من يعول، ليلة عيد الفطر ويومه.
- فهي تلزم المسلم عن نفسه، وعمن تلزمه شرعاً نفقته من زوجة وأولاد وغيرهم.
- وهي على الصائم وغير الصائم، الصحيح والمريض، المقيم والمسافر، الكبير والصغير، الحر والعبد، البالغ وغيره.
- وتجب عن الجنين إذا ولد حياً قبل صلاة عيد الفطر.
- ولا تجب على من مات قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان.
- وتجوز فيها الوكالة والنيابة لأمين فرد أو هيئة.
وجوبها:
- تجب بدخول فجر يوم عيد الفطر عند الحنفية.
- وبغروب شمس آخر يوم من رمضان عند الشافعية والحنابلة.
- وأجاز المالكية والحنابلة إخراجها قبل وقتها بيوم أو يومين.
- وأجاز الشافعية إخراجها من أول دخول رمضان لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان، والفطر منه، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر، ولعل هذا هو المناسب لعصرنا الآن.
لمن تخرج زكاة الفطر:
- تخرج للفقراء والمساكين.
- وكذلك باقي الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى في آية مصارف الزكاة:
( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (60التوبة)
ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: { أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ }
سادساً: العمرة في رمضان
* * * * * * * * * * * * *
العمرة هي زيارة بيت الله الحرام بمكة المكرمة ؛ لأداء المناسك.
- وهذه العمرة لها ثواب كبير، ويضاعف أجرها إذا وقعت في شهر رمضان، ففي الحديث الشريف:
{ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ مَعِي }
- وخاطب الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بعض النساء فقال:
{ إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ }
أى كحجة في الثواب.
- وإذا كانت العمرة في رمضان له ثواب مثل ثواب الحج، إلا أنها لا تُسقط الحج عمن عليه الفريضة.
سابعاً: صلاة العيد
* * * * * * * * * * * * *
للمسلمين عيدان مرتبطان بعبادتين من أهم العبادات في الإسلام.
وهما: عيد الفطر، وعيد الأضحى. قال أنس رَضِيَ الله عنه:
{ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ }
حكمة التسمية:
- سُمي العيد عيداً لأنه يعيد الله إلى عباده به الفرح والسرور في يوم عيدهم.
- وقيل: إنما سُمي عيداً لأن فيه عوائد الإحسان من الله، وفوائد الإمتنان منه للعبد.
- وقيل لأنه يعود العبد فيه إلى التضرع والبكاء، ويعود الرب عزَّ وجلَّ فيه إلى الهبة والعطاء.
- وقيل إنهم عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من الطهارة.
- وقيل: معناه عادوا من طاعة الله إلى طاعة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، من الفريضة إلى السُنَّة، ومن صوم رمضان إلى صوم ستة أيام من شوال.
- وقيل: إنما سُمي عيداً لأنه يقال للمؤمنين فيه: عودوا إلى منازلكم مغفوراً لكم.
آداب العيدين:
- يُسن إحياء لياليهما:
بطاعة الله، وتلاوة القرآن، وغير ذلك من العبادات؛ للحديث الشريف الوارد:
{ مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ، لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ }
- ويحصل الإحياء بمعظم الليل، وقيل بساعة منه.
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما:
{ بصلاة العشاء جماعة، والعزم على صلاة الصبح جماعة }.
- والدعاء فيهما.
- ويستحب الغسل والطيب للعيدين، من خرج للصلاة ومن لم يخرج لها.
- ويستحب لبس الحسن من الثياب للقاعد والخارج.
ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى}
وروى عن الحسن بن عليّ رضي الله تعالى عنهما قال:
{ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدَ مَا نَجِدُ }
- ويستحب أن يتزين الرجل، ويتنظف، ويحلق شعره، ويستحب أن يستاك.
- وفي عيد الفطر يُسن أكل شيء حلو قبل الخروج للصلاة.
- أما في عيد الأضحى فيؤخر الأكل إلى ما بعد الصلاة،.
- ويسنُّ أن يخرج إلى المـُصَلَّى ماشياً، وعند العودة إلى داره ماشياً من طريق آخر.
- وأن يُكَبِّر في الطريق إلى المـُصلَّى، وفي المـُصلَّى، والتكبير إلى صلاة العيدين.
التهنئة بالعيد:
التهنئة بالعيدين سُنَّة، ومن الصيغ المشهورة في كتب العلم: ( يتقبل الله منا ومنكم ).
التكبير:
حث الشرع على إحياء ليلتى العيدين بالذكر والتكبير:
- ويبدأ التكبير في عيد الفطر من رؤية الهلال ليلة العيد حتى يغدو الناس إلى المـُصلَّى، وحتى يصعد الإمام على المنبر.
- أما في عيد الأضحى فيبدأ التكبير من صبح يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد، لقوله تعالى:
( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ) (203البقرة)
- ويستحب التكبير سواء في المسجد، أو في الطريق، أو في المجالس قبل الصلاة أو بعدها في أيام التشريق.
حكم صلاة العيدين:
صلاة العيدين ركعتان بلا آذان ولا إقامة.
- وهي واجبة عند أبي حنيفة.
- وفرض كفاية عند أحمد.
- وسنَّة مؤكدة عند الشافعي ومالك على من تجب عليه صلاة الجمعة.
- وتصح فرادى وجماعات.
وقتهــا:
وقت صلاة العيدين:
- يبدأ عند ارتفاع الشمس قدر رمح ،وهو الوقت الذي تحل فيه النافلة، (وقدره عشرون دقيقة تقريبا).
- ويمتد وقتها إلى زوال الشمس عن وسط السماء.
- ويُسن قضاؤها إن فاتت.
مكانهـــا:
- يستحسن أداؤها في الصحراء في غير مكة.
- وذلك بخلاف الشافعية، فإنهم قالوا: إن أدائها بالمسجد أفضل لشرفه، إلا لعذر، فتسن في الصحراء.
كيفيتها:
- صلاة العيد ركعتان تجزئ إقامتهما كصفة سائر الصلوات.
- وسننها، وهيئاتها- كغيرها من الصلوات – وينوي بها صلاة العيد، هذا أقلها.
- أما الأكمل في صفتها:
فأن يُكَبِّر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام والركوع، والتكبيرات قبل القراءة لما روي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى سَبْعًا وَخَمْسًا، فِي الأُولَى سَبْعًا وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلاةِ }
- والسُنَّة أن تصلي جماعة.
- وأن يرفع يديه مع كل تكبيرة.
- ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر
الله تعالى.
- والسُنَّة أن يقرأ بعد الفاتحة: بـ (الأعلى) في الأولى و(الغاشية) في الثانية، أو بـــ (ق) في الأولى، و(اقتربت) في الثانية.
- والسُنة أن يجهر فيهما بالقراءة.
- والسُنَّة إذا فرغ من الصلاة أن يخطب على المنبر خطبتين يفصل بينهما بجلسة.
- والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع.
اجتماع العيد والجمعة:
- لو جاء العيد في يوم الجمعة، وجب أداء كل صلاة منهما في وقتها المشروع عند الأئمة الثلاثة.
- أما الإمام أحمد فقد ذهب إلى عدم وجوب الجمعة، فإذا لم تُصَلَّ وجب الظهر، فعن أبي هريرة رَضِيَ الله عنه قال: قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى }
- وعليه فالأمر في ذلك واسع ما دامت المسألة خلافية، ولا يعترض بمذهب على مذهب.
- فتقام الجمعة في المساجد عملاً بالأصل والأحوط، ومن كان يشق عليه حضور الجمعة، أو أراد الأخذ بالرخصة تقليداً لقول من أسقط وجوبها بأداء صلاة العيد، فله ذلك بشرط أن يُصلي الظهر عوضاً عنها، من غير أن ينكر على من حضر الجمعة، أو ينكر على من أقامها في المساجد، أو يثير فتنة في أمر وسَّع سلفنا الخلاف فيه.
السنن المستحبة في العيد:
- التوسعة على الأهل في العيد بأى شيء كان.
- تبادل التهاني والتزاور بين المسلمين، والتأكيد على الصلة للأرحام والجيران وغيرهم.
- العطف على الفقراء والمساكين وأرباب الحاجات، ليستغنوا عن السؤال في هذا اليوم.
- الترويح عن النفس، فيباح فيه الغناء واللعب والسفر والتنزه، لورود الأخبار والآثار الصحيحة في ذلك، كخبر عائشة رضي الله عنهَا: { دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا}
- وحديث السيدة عائشة رضي الله عنهَا أيضاً:
{ كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَرْفَعُنِي فَأَنْظُرُ إِلَى لَعِبِ الْحَبَشَةِ }
ثامناً: فضل صيام ست من شوال
* * * * * * * * * * * * *
ومن الأعمال الصالحة المستحبة المتعلقة بشهر رمضان صيام ستة أيام من شوال لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ }
ووجه الدلالة:
- أن الحسنة بعشر أمثالها ؛ لقوله تعالى:
( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (160الأنعام)
- فصيام شهر يساوي عشرة أشهر.
- وصيام ستة أيام يساوي شهرين (ستين يوماً).
- فيكون من صام شهر رمضان وست من شوال أصاب أجر صيام سَنَة، وإن دام على ذلك كان كصيام الدهر كله، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ جَعَلَ اللَّهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرٍ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ }
- والأَوْلى صيامها متتابعة عقب عيد الفطر.
- وإن صامها متفرقة خلال شهر شوال فلا بأس.
- هل يجوز الجمع بين القضاء من رمضان وثواب الست من شوال في عمل واحد؟
- ذهب الشافعية إلى أن من يقضي رمضان في الست من شوال تبرأ ذمته بقضاء هذه الأيام من رمضان، ويحصل له أجر الصوم في شوال.
- ولكن مع التأكيد على أنه لا ينوي صيام الست من شوال، وإنما ينوي صيام ما فاته من رمضان فقط، وبوقوع هذا الصوم في أيام الست يحصل له الأجر، فإن فضل الله واسع.
- وقد أفتى بذلك العلامة الرملي الشافعي – رحمه الله –
في إجابة سؤال عن:
شخص عليه صوم من رمضان وقضاه في شوال:
هل يحصل له قضاء رمضان، وثواب ستة أيام من شوال؟ وهل في ذلك نقل؟
فأجاب فضيلته:
{ بأنه يحصل بصومه قضاء رمضان، وإن نوى به غيره ،ويحصل له ثواب ستة من شوال، وقد ذكر المسألة جماعة من المتأخرين }
- وبناء عليه :
o فإنه يجوز للمرأة المسلمة أن تقضي ما فاتها من صوم رمضان في شهر شوال، وبذلك تكتفي بصيام قضاء ما فاتها من رمضان عن صيام الأيام الستة، ويحصل لها ثوابها، لكون هذا الصوم قد وقع في شهر شوال.
o وذلك لما ذكر، وقياساً على من دخل المسجد فصلَّى ركعتين قبل أن يجلس، بنية صلاة الفرض، أو سُنَّة راتبة، فيحصل له ثواب ركعتى تحية المسجد.القسم الثاني: تجليات الصيام الإلهيــة
حقائق الصيام
* * * * * * * * * * * * *
تعالوا معي ....
لنتمعن في كتاب الله عزَّ وجلَّ الذي أرسله إلينا أجمعين ...
ليُعلمنا فيه بأنه فرض علينا الصيام ... ماذا قال لنا؟
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) (183البقرة)
هو خطاب في الكتاب، لكن لكل مؤمن فيه زاد خاص به من العلم والنور من العلي الوهاب عزَّ وجلَّ ، بل إن المؤمن كلما قرأه بصفاء قلب ونورانية وشفافية ورَدت علي قلبه معانى علوية وأنوار ربانية لا يدرى لها كيفية، وإنما من باب قول رب البرية:
( وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ) (282البقرة)
وهذا من إعجاز كتاب الله، لا يُرسل الله عزَّ وجلَّ خطاباً إلى فرد، ولكن يُرسل الله خطاباً إلى جماعة، فيه معنى عام تتفق عليه الجماعة، وفيه ما لا يُحصى من المعاني الخاصة لكل فرد في هذه الجماعة، الخطاب واحد: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ) للمؤمنين في عصر رسول الله، والمؤمنين من بعده إلي يوم الدين، خطاب عام لكل من انتسب إلى دائرة الإيمان، وفي ثناياه معاني خاصة لكل مؤمن تمعن في آيات كتاب الله، وتدبر في خطاب الله، وأراد بقلبه وروحه أن يصل إلى شئ من فحواه، فكل واحد له فيه معاني ليست لغيره من السابقين ولا المعاصرين ولا اللاحقين.
معنى الصيام
لكن نقف الآن عند المعني العام الذي يُخاطب الله به جميع المؤمنين إلى يوم الزحام:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) (183البقرة)
و (كُتِبَ) أى: فرض فهو فريضة، والصيام معناه لغة الترك، صام عن الأكل أي ترك الأكل، وصام عن الشرب أي ترك الشرب، وصام عن الكلام فى قوله (26مريم):
( إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا )
أى: ترك الكلام، إذاً الصيام معناه الترك، ترك أى أمر من الأمور يُسمى صيام.
ولكن الصيام الذي خاطبنا به الله، وأمرنا أن نتدبر في معناه، ونتذوق في فحواه، ونقوم به عاملين متابعين لحبيب الله ومطفاه، ذكر الأئمة الكرام له معاني لا تُعد ولا تُحصى، ومن جملة هذه المعاني - التي تجمع ما يناسب هذه الحقيقة العبادية من الحضرة الربانية وهي الصيام - قول إمامنا أبو العزائم رَضِيَ الله عنه في تعريف الصيام:
( الصِيامُ جِهادٌ للجِسمِ، ومُخَالَفةٌ للنَفسِ، وسِياحَةٌ للعَقلِ، ومُشاهَدةٌ للرُوحِ، فمَنْ صَامَ بِهذه الحَقائِق نَفذَ مِن أَقطارِ السَمواتِ والأَرضِ، ومَنْ لَم يَصُم بِهذه الحَقائِق كَان صِيامُه صِيام عَادة عَن الطَعامِ والشَراب، ولَم يَنفُذ بِحقَائِقه مِن أَقْطارِ السَمَواتِ والأَرْض )
الصيام في نظر العارفين والصادقين والمـُخلصين والمـُقربين له معاني علوية، جهاد للجسم، ومخالفة للنفس، وسياحة للعقل، ومشاهدة للروح.
فالصيام هنا بأربعة حقائق، صيام فيه نصيب للجسم، وفيه نصيب للنفس، وفيه نصيب للعقل، وفيه نصيب للروح، وهذا هو صيام الموقنين والمقربين الذين مدحهم الله عزَّ وجلَّ في آية المقامات بقوله:
( وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ ) (35الأحزاب)
يُقصد في هذه الآية صيام أهل العناية، وصيام أهل الولاية الذي نتحدث عنه في هذه البداية إن شاء الله.
الصوم جهاد للجسم
فالصيام جهاد للجسم، لأن الجسم يترك ما أحله الله عزَّ وجلَّ ، فإذا ترك الحلال فمن باب أولي ينبغي أن يترك الحرام، وهذه حكمة لا بد أن يتدبرها كل صائم، وإلا فإن صيامه يكون معني بقول الحبيب:
{ رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ }
الأكل حلال ومنعه الله، والشرب حلال ومنعه الله، وإتيان الرجل أهله حلال ومنعه الله، فإذا كان الله منع الحلال لنعلم علم اليقين أن حرمة الحرام أشد وقعاً في رمضان، فينبغى أن نتجنب جميع المحرمات التي نهانا الله عنها في كتابه، وبيَّنها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم في سنته.
ومن هنا يجب علي الجسم أن يجاهد، لأن الصيام جهاد للجسم، لا يجاهد في ترك الطعام والشراب لأن من أمر بذلك يعين، ولولا عونه عزَّ وجلَّ ما استطعنا أن نصبر علي ترك الطعام والشراب لحظة أو أقل، لكن إعانة الله هي التي توفقنا إلى تنفيذ أمر الله جل في علاه.
لكن جهاد الجسم في سد المنافذ والحواس التي جعلها الله عزَّ وجلَّ هي التي تنقل للجسم ما يحس به الإنسان وما يراه وما يسمعه وما يشعر به، فيمنع عن العين كل النظرات التي حرمها الله في كتابه وبيَّنها النبي في سنته، ويكون صيام العين بقول الله:
( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) (30النور)
والأذن يسدها عن سماع الكذب والغيبة والنميمة، فيترك كل سماع حرَّمه الله، وأنَّب الله عزَّ وجلَّ على من فعله وقال في فاعليه وهم اليهود:
( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) (41المائدة)
إذاً لا بد أن تصوم الأذن عن سماع الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وأقوال الخنا والفجور، وهذا مقتضى جهاد الجسم.
أما اللسان فيصوم عن اللغو، ويصوم عن المحرمات من السب والشتم واللعن والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة وقول الزور، لقول الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم في الأمر الجامع لسوءات اللسان:
{ مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَه }
ووضع الروشتة الإلهية للصائمين المـُخلصين الصادقين فقال:
{ إذا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلا يَصْخَبْ، فإنْ سابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قاتَلَهُ أَحَدٌ، فَلْيَقُلْ إنّي امْرُؤٌ صائِمٌ }
الرفث هو الكلام عن الجماع أو عن النساء أو ما شابه ذلك، ولا يصخب أى لا يرفع صوته بأي كلام يُغضب الله جل في علاه، وهذا صوم الصادقين الذين يجاهدون في صوم اللسان كما قال سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثه المبارك.
وصوم الأيدي عن الشكايات الكيدية، والبلاغات الظالمة، فضلاً عن السرقة وإعانة الظالمين، ومد اليد للمساعدة مع البعيدين عن الله الذين يسعون لظلم العباد وإفساد البلاد، وصوم الرِّجل عن الحركة إلى أى مكان حرَّمه الله عزَّ وجلَّ .
وهذا الأمر والحمد لله سمعناه مراراً وتكراراً لكننا نحتاج إلى عزيمة التنفيذ، فجهاد الجسم بصيام الحقائق التي جعلها الله عزَّ وجلَّ نوافذ للجسم، وهذا صيام العلماء والحكماء الذين قيل في شأنهم:
إذا ما المرء صام عن الخطايا
فكل شهوره شهر الصيام
وقول الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم في روشتته الجامعة:
{ إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاء }
ليس البطن والفرج فقط، ولكن السمع والبصر واللسان.
الصوم مخالفة للنفس
أما النفس فهي كما قال الله عزَّ وجلَّ في شأنها:
( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ ) (53يوسف)
ولم يقل: آمرة ، ولكن قال: ( لأَمَّارَةٌ ) بصيغة المبالغة:
أي لا تكف عن تكرار الأمر للإنسان الذي فيه مخالفة لحضرة الرحمن عزَّ وجلَّ ،.ولذلك اقتضى الصيام أن يخالف الإنسان كل ما تهمس وتوسوس به النفس إلي الإنسان:
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتهما
لا بد من مخالفة النفس، وفي خلافها الوصول إلى رضاء الله عزَّ وجلَّ ، لأنها كما قال الله في شأنها لا تأمر إلا بالسوء، والله عزَّ وجلَّ لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم.
والصيام يعين الإنسان علي جهاد النفس، ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ}
وقال لجميع الأمة:
{ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ، فَضَيِّقُوا مَجَارِيَهُ بِالْجُوعِ والعطش}
فأعلمنا أن الجوع هو الباب الأول الذي يخوضه المجاهد في طلب الوصول إلي مولاه، لأنه هو الذي يهذب النفس، ويجعلها تكف عن المطالب الشهوانية والرغبات الدنية، فيَقْوى القلب وتسطع الروح، ويطالبان بالمطالب الروحانية والعلية التي توصل المرء إلى المراتب الهنية.
قال الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه وأرضاه لنا في النفس:
والنفس شهوة مطعم أو مشرب أو ملبس
أو منكح فاحذر بها الــداء الدفـين
كيف السبيل إلي علاجها والتغلب عليها؟ قال:
جع فاضعفنها وحـاذرن من غــيها
واحذر قوى الشيطان في القلب كمين
وغيِّها: أى الوسوسة الداخلية لك التي ربما لا تشعر بها.
إذاً السلاح الذي أنبأنا به الله، وبيَّنه ووضَّحه رسول الله، وزاده ايضاحاً العارفين بالله لجهاد النفس هو سلاح الجوع، فمن لم يستطع أن يخوض هذه المهمة، وأن يقوم بهذه الملمة، ويجاهد نفسه علي الجوع فإنه لا يستطيع أن يتغلب علي نفسه.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنهَا وأرضاها:
{ أوَّل بدعة حدثت بعد رسول الله رَضِيَ الله عنه الشبع، إنّ القوم لما شبعت بطونهم جمحت بهم نفوسهم إلى هذه الدنيا }
وقال ذو النون رَضِيَ الله عنه:
{ ما شبعت قط إلا عصيت أو هممت بمعصية }
فالإنسان عندما يشبع وتمتلئ العروق بالدم تثور غرائز الشهوة في نفسه، لكن أثناء الجوع لا يستطيع الإنسان أن يواصل حتى في شهوة الكلام لضعف جسمه!!
فما بالكم بشهوة النساء؟!!
وما بالكم بشهوة أصناف وألوان الطعام؟!!
وشهوة الزى، وشهوة حب الظهور !!!
وغيرها من الشهوات،. فالذي يُضعف الشهوات النفسية هو الجوع، ولذلك كان سلاح الصالحين والعارفين أبد الآبدين هو قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ صُومُوا تَصِحُّوا }
تصحوا:
- ظاهراً وباطناً.
- قلباً وقالباً.
- جسماً وروحاً.
والكلام في هذا المجال لا نستطيع ايفاءه في هذا الحديث مع صغر كلماته لدقة معانيه التي جعلها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم فيه.
فجهاد النفس يكون:
- بترك شهواتها.
- ومحاولة إيقافها في رغباتها.
- وتحويلها من رغبات دنية إلى رغبات أخروية، أو رغبات فيها فوز بارضاء رب البرية عزَّ وجلَّ .
ولذلك كان السلف الصالح يقولون:
{ من حدَّث نفسه بالنهار علي ماذا يفطر، فقد أخطأ طريق الصالحين }
وكان أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصومون ولا يفكرون علي ماذا يفطرون، ولا علي ماذا يتسحرون، وإنما يتركون الأمر لمن يقول للشئ كن فيكون.
ورد أن السيدة عائشة رَضِيَ الله عنهَا أرسل لها ابن أختها عبد الله بن الزبير رَضِيَ الله عنه مائة وسبعون ألف درهم، وكان ذلك ساعة العصر، فأخذت في توزيعها حتى لم يبق منها إلا درهم واحد ...
فقالت لها خادمتها: أنسيت أنك صائمة؟! قالت: لو ذكرتني لفعلت، اشترِ لنا بهذا الدرهم إفطاراً، فاشترت بالدرهم إفطاراً علي قدره، وبعد شراءه جاء سائل، فقالت: اعطه له، قالت: وعلي ماذا نفطر؟ قالت: كوني بما في يد الله أوثق منه بما في يدك!
وقبل المغرب مباشرة إذا بآت يأتي ومعه شاة مشوية وقدمها هدية للسيدة عائشة رَضِيَ الله عنهَا؛ فقالت السيدة عائشة لخادمتها: هذا خير لي ولك! أم ما كنت تريدين أن ننشغل به ونفكر فيه!!
فأعطتها رَضِيَ الله عنهَا درساً عملياً فيما كان عليه الحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم وأحبابه وأصحابه الكرام.
ولذا رُوي عنهم أنهم كانوا إذا أرادوا السحور:
كان بعضهم يجرع جرعة ماء !!، وبعضهم كان يسف سفَّات من الشعير!!، وبعضهم كان يأكل لقمة هينة بسيطة !!
لأنهم كانوا لا يفكرون إلا في إرضاء الله، ويحاولون نزع نوازع النفس في الصيام ليكون صيامهم أكمل عند الله عزَّ وجلَّ .
الصوم سياحة للعقل
لكى يتم الصيام ....
ويكون الإنسان من أهل مقام الصائمين ...، أو كما قال الله:
( السَّائِحُونَ ) (112التوبة)
فالسائحون في الحقيقة هم الذين صامت أجسامهم ونفوسهم، فساحت قلوبهم وأرواحهم في ملكوت الله عزَّ وجلَّ العلي.
ينبغي أن يصوم الإنسان بفكره عن كل فكر دنيوي دني ...
لا يفكر إلا في الأمور العلية ...، أما الأمور الدنية من الكيد ومن الخداع ومن اللؤم ومن النفاق ....لا بد أن يصوم عنها بالكلية، ويتجمَّل بجمال يقول فيه الله عزَّ وجلَّ :
( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) (47الحجر)
يُعلي الفكر بدلاً من أن يُفكر في الهموم والغموم والأمور الدنية!
فإن من أكبر حِكَم الصيام عند العارفين أن الصوم يُخلص الإنسان من الهموم والغموم والأمور الدنية والدنيوية لانشغاله بالكلية بالقرب من رب البرية عزَّ وجلَّ .
فإذا صام الفكر عن الهم والغم والأمور الدنية :
- انشغل بالفكر في الآخرة.
- وبالتمعن في الآيات القرآنية.
- وبالفكر في آيات الله عزَّ وجلَّ الكونية.
- وبالفكر في إبداع صنع الله عزَّ وجلَّ في كل مصنوعاته الظاهرة والخفية ...
فيدخل في قول الله عزَّ وجلَّ :
( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ )
(190-191آل عمران)
فيصبح من أولي الألباب ....
الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، لأن فكره علا عن الحجاب، وأصبح له باب من الوهاب، يفد إليه فيه عوارف وآداب يُجَمل بها بما كان عليه جمال الأصحاب، والنبي الأواب صلَّى الله عليه وسلَّم.
فالصوم في هذا المجال سياحة عقلية في النفس وفي الآفاق ...
إذا صام الإنسان عن الفكر الدَّني:
- تسامي الفكر وانشغل بالفكر في أمر عَلِي، أو في تجلي إلهي، أو في باب معنوي، فتحه الله عزَّ وجلَّ له من لطفه أو غيبه الخفي، وهذه سياحة العقل للصائمين.
الصوم عروج للروح
إذا ساح العقل في آيات الله عزَّ وجلَّ النفسية أو الكونية الظاهرة أو الخفية، أو آيات الله عزَّ وجلَّ القرآنية:
تنبلج في القلب أذكار يذكر بها رب البرية، ولا يغيب عن حضرته عزَّ وجلَّ بالكلية، فتظهر عليه الفتوح، ويلوح عليه جمال الروح، ويفتح الله عزَّ وجلَّ باباً له لتعرج منه روحه إلي ملكوت الله عزَّ وجلَّ العلي، أوجبروته السني، أو قدسه الإلهي، وتتمتع الروح بالتجليات التي يُكاشف الله عزَّ وجلَّ بها أهل العنايات، وقال في شأنها في محكم الآيات:
( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (75الأنعام)
وقال فيها صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات }
** ** ** ** ** **
مراتب الصائمين
*************
إذا صام الإنسان بهذه الحقائق سما وارتقى، وأصبح من جملة الصائمين الذين جعلهم الله عزَّ وجلَّ من عباده المقربين، ومن هنا فإن للصائمين مراتب.
المرتبة الأولي: صوم العوام
وصوم العوام عن مقتضيات شهوة الجنس والشراب والطعام، لا يعرفون غير ذلك، بل ربما يمنون علي الله عزَّ وجلَّ بذلك!! ويروا أنهم فعلوا فعلاً يستوجب من الله كذا وكذا من المطالب التي يطلبونها من حضرة الله، مع أن صومهم على التحقيق ربما يكون داخلاً في قول رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ }
المرتبة الثانية: صوم العلماء
وهم الذين صاموا بالجوارح، والجوارح سبعة، وإذا انضم إليهم القلب صاروا ثمانية، العين والأذن واللسان واليد والرجل والفرج والبطن والقلب، وهؤلاء القوم صائمون طوال العام، وإن أفطروا في غير رمضان، وهؤلاء يقول فيهم صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ }
فكما تُفَتَّح أبواب الجنان العالية تُفَتَّح أبواب الجنان في الإنسان، وهي الجوارح إذا اشتغلت بطاعة الله ومتابعة حبيب الله ومصطفاه.
فالعين إذا اشتغلت بالنظر في كتاب الله، وفي ملكوت الله، وفي ملك الله ،كانت باباً إلى الجنة.
والأذن إذا استمعت إلى علم العلماء وكلام الحكماء وآيات الله عزَّ وجلَّ العصماء كانت باباً إلى الجنة.
واللسان إذا اشتغل بذكر الله أو بتلاوة كتاب الله أو النصيحة لعباد الله أو الصلح بين المتخاصمين من خلق الله صار باباً إلي الجنة.
واليد إذا امتدت إلي الفقراء والمساكين أو دفعت الظلم عن المظلومين كانت باباً إلي الجنة.
والرجل إذا حملت الإنسان إلي بيت الله أو إلي صلة رحم أو إلي مكان يسعي فيه لعيادة مريض أو لتشييع جنازة مؤمن كانت باباً إلي الجنة، وكذلك بقية الجوارح.
إذا ملك القلب هذه الجوارح، وتصرف فيها، صارت الجوارح السبعة ومعها القلب ثمانية، ففُتحت أبواب الجنة في الإنسان، فيكون الإنسان صائماً صيام الجوارح، وهذا صيام العلماء..
فلو حتى أفطر الإنسان في غير رمضان بشهوة الطعام والشراب والجماع فإنه أفطر بجارحتين وصام إلي الله بست، فكان صائماً طول العام!! وإن كان في نظر غيره مفطراً، لأنه نفَّذ سُنة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
المرتبة الثالثة: صيام العارفين
العارفون هم الذين عرفوا حقائق نفوسهم، وأقبلوا علي الله عزَّ وجلَّ يسعون لرضاه، ويتجهون للعمل الذي يحبه ويرضاه، وصيامهم بعمارة أنفاسهم كلها في طاعة الله، يحرصون علي ألا يُضيعوا نَفَساً إلا في طاعة الله، ولذلك أساس الوصول إلى هذا المقام العمل بحديث المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
{ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ }
ليس عندهم وقت للمقت! فيشغلون أنفسهم بالخلق وأخبارهم وأسرارهم وأحوالهم، لأن هذه أمور تجعل السالك يُحجب بالكلية عن النور، ولكنهم مشغولون بإنفاق الوقت في طاعة الله ...
إن كان في اليقظة أو في النوم !!!
ولذلك تجدهم في اليقظة في ذكر الله، أو في طاعة لله، أو في متابعة لحبيبه ومصطفاه، أو في عمل صالح يحبه الله ويرضاه ....
فإذا نامت جوارحهم وأجسامهم قامت قلوبهم وأرواحهم إلي عالم الملكوت تقتطف لهم أزهار الحكمة من العوالم النورانية، والعوارف من الملائكة المقربين، ويقومون من النوم وقد استفادوا حكماً ربانية، وعلوماً إلهية حصَّلوها وهم في المنام ...
فهم في اليقظة يقضون الأنفاس في طاعة الله، .... وإذا ناموا ساحت قلوبهم وأرواحهم في رضاه ...، لأنهم لم يشغلوا الوقت إلا بما يحبه الله عزَّ وجلَّ ويرضاه.
المرتبة الرابعة: صيام المقربين
قلنا أن صوم العارفين هو شغل الأنفاس بطاعة الله،...
أما المقربين فشغل أنفاسهم بالحضور مع الله جل في علاه ...
فهناك فرق بين من يشغل النَفَس في طاعة الله، وبين من يشغل النَفَس في حالة الحضور مع حضرة الله، فهو في مقام المكاشفة التي يجعله فيها الله عزَّ وجلَّ سر قوله:
( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (22ق)
وفيهم يقول الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه وأرضاه:
والعارف الفرد محبوب لخالقه
فات المقامات تحقيقاً وتيقيناً
في كل نَفَسٍ له نور يواجهه
من حضرة الحق ترويحاً وتيقيناً
في كل نَفَس له نور، وله مواجهات، وله مشاهدات، وله مؤانسات في عالم الأنوار .....
لأن صيامه ألا يضيع نَفَس منه إلا في مواصلة حبيبه عزَّ وجلَّ ، وهؤلاء يقول قائلهم:
وإن خطرت لي في سواك إرادة
علي خاطري نَفَسَاً قضيت بردتي
والردة هنا أى الرجوع إلي الخلف في مقامات السلوك ..
لأن كل أوقاته في حضور مع المذكور عزَّ وجلَّ ، شُغِلوا بالمعروف عن المعرفة، وشُغِلوا بالمعلوم عن العلم، وشُغلوا بالله عزَّ وجلَّ عما سواه، فلا أُنس لهم ولا حضور لهم ولا همَّ لهم إلا بمواجهة الله جل في علاه:
( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (22، 23القيامة)
المرتبة الخامسة: صيام المحبوبين
وهو ألا ينشغلوا ظاهراً أو باطناً نَفَساً عن رب العالمين عزَّ وجلَّ :
وما صام إلا عن سوي ما يحبه
كذلك عبد الذات في القرب طامع
لا يخطر غير الله عزَّ وجلَّ نَفَساً علي قلوبهم، وإذا خطر غيره نَفَساً علي قلوبهم فقد أفطروا، ويعلمون أنهم أفطروا لأنهم خرجوا عن سور الحدود التي حددها لهم المعبود عزَّ وجلَّ ، صيامهم أن يكون الله عزَّ وجلَّ على بالهم في كل أوقاتهم، تقول في ذلك السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها:
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي
وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للخليل مؤانس
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
ويقول في هذا المقام – وهو المقام الأعلى – الإمام الحلاج رَضِيَ الله عنه وأرضاه:
والله ما طلعت شمس ولا غربت
إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم
إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا نظرت إلى الماء من ظمأ
إلا رأيت خيالاً منك في الكأس
فالله عزَّ وجلَّ شغله بالكلية عما سواه!
شغل أهل الجفا بدنيا دنية ..، وشغل أهل الوفا بذات علية !!
وهذا صيام المحبوبين الذين قال فيهم الله:
( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (54المائدة)
وفوق ذلك صيام الوارثين!!
وصيام الصديقين!!
وغيره من أنواع الصيام التي يترقي فيها الصالحون ....
صياماً بعد صيام، ......
لا يستطيع الإنسان وصفها، أو الحديث عن شأنها ...
وإنما تُدار راحها لأهلها!!!
إذا وصلوا إلي كنهها.
** ** ** ** ** **
** ** **
المِنَح الإلهية في شهر رمضان
*************
يتسائل كثير من الصائمين، لماذا فرض الله عزَّ وجلَّ علينا صيام شهر رمضان؟ ولماذا سنّ لنا الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم قيام ليله؟
والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى أوقات كثيرة لتنوع حِكمها وتباين أسبابها، ولكن يجمعها جميعاً أن فيها مظهر رحمة الرحيم، وحنانة الحنان بأمة النبي العدنان صلَّى الله عليه وسلَّم.
فإن الله عزَّ وجلَّ علم قصورنا في طاعته، وتقصيرنا في عبادته، وجموح نفوسنا إلي مخالفة أمره والغفلة عن حضرته، فأراد أن يمنحنا منحاً إلهية من عنده؛ فجعل لنا هذا الشهر المبارك:
- يُنزل الله عزَّ وجلَّ فيه رحمات في أول ليلة منه.
- ويُنزل الله عزَّ وجلَّ منحاً إلهية في كل يوم وليلة منه.
- ويُنزل الله عزَّ وجلَّ ويتنزل بمنح وعطاءات ربانية في ليلة القدر.
- ويُنزل الله عزَّ وجلَّ منحاً إلهية لعباده في آخر الشهر.
نأخذ نماذج منها علي سبيل المثال ...
أما حصر النعم الإلهية والعطايا الربانية التي يتنزل بها الله علي هذه الأمة التقية النقية فلا أعلمها أنا وأنتم ... إلا عند الحساب، عندما نطالع الكتاب، ونري عظيم ما جعله الله لنا فيه من الأجر والثواب.
المنح الإلهية في أول ليلة من شهر رمضان
******************
أول هذه المنح في أول ليلة من شهر رمضان يقول فيها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَإِذَا نَظَرَ اللَّهُ إِلَى عَبْدٍ لَمْ يُعَذبْهُ أَبَداً }
أول منح من الله ترفع عذاب الجسم وعناءه في الصيام، فلا نحس بمشقة مع حرارة الجو وطول اليوم، ومع أن الله عزَّ وجلَّ زاد لنا في الأجر بسبب طول اليوم وحرارة الجو فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ أَلا أُنْبِئُكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ مَنْ عَطَّشَ نَفْسَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرْوِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأبي ذر رَضِيَ الله عنه:
{ صُم يوماً شديداً حره لطول يوم النشور، وصلِّ ركعتين في سواد الليل لظلمة القبور }
فإن الصوم في الحر يحفظ الإنسان في يوم النشور من الأمور التي تحدث للخلائق في يوم الدين، فأبشروا معشر الصائمين بنظر الله عزَّ وجلَّ إلينا أجمعين، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً، بل إنه يدخل في قول الله في كتاب الله:
( أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) (82الأنعام)
والحمد لله فقد أخذنا كلنا الأمان من الله مادمنا التزمنا بصيام هذا الشهر مع المحافظة على إقامة الصلاة.
المنح الإلهية اليومية خلال شهر رمضان
أما في كل يوم فحَدِّث ولا حرج!!!
- في كل يوم من أيام الصيام يجعل الله عزَّ وجلَّ عمل العبد مضاعفاً.
- والفريضة فيه تساوي في الأجر والثواب سبعين فريضة فيما سواه.
- والنافلة فيه تساوي في الأجر والثواب فريضة فيما سواه.
- والذي ينفقه العبد علي أهله وذويه إن كان عاملاً بقول الله:
( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ) (31الأعراف)
دخل في قول عُمَرَ رَضِيَ الله عنه:
{ إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَالنَّفَقَةُ فِيهِ عَلَيْكَ وَعَلى مَنْ تَعُولُ كَالنَّفَقَةِ في سَبِيل اللَّهِ تَعَالى، يَعْنِي الدرْهَمَ بِسَبْعِمَائَةٍ }
فالأكل والشرب والتحلية في رمضان لها أجرها العظيم عند حضرة الرحمن، مادام عمل بقول النبي العدنان:
{ كلوا واشربوا والبَسوا وتصَدَّقوا، في غير إسراف ولا مَخِيلة }
ما دام يمشي علي المنهج الإسلامي:
- إذا نام في يومه ليستعين بالنوم علي القيام وعلي السحور بين يدي الله في جنح الظلام!
- وإذا جلس صامتاً عن الكلام، ولم يلغُ، ولم يرفث، ولم يغتب، ولم ينمّ، ولم يسب، ولم يشتم، ولم يخض مع الخائضين:
يقول في شأنه النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
{ نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَةٌ، وَصَمْتُهُ تَسْبِيحٌ، وَعَمَلُهُ مُضَاعَفٌ، وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ، وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ }
أيام رمضان ولياليه أيام إجابة للدعاء:
- لا يرفع الإنسان لسانه ليخاطب مولاه ويرفع يديه بأكف الضراعة إلى الله في أي لحظة من ليل أو نهار في رمضان إلا ويستجيب له مولاه، ما لم يدع بإثم ولا قطيعة رحم.
- وله دعوة مؤكدة الإجابة عند فطره، عندما يؤذن مؤذن الله عزَّ وجلَّ بالفطر فلك في هذا الوقت دعوة أكيدة الإجابة، يقول فيها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ }
ولذلك ينبغي علي الصائم قبل أن يتناول الفطور أن يدعو الله، فيحظي بالدعوة المستجابة من مولاه. وخير الدعاء ما قالت فيه السيدة عائشة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ يا نبي الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول؟. قال: تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي }
- في كل ليلة من شهر رمضان تُبسط سجلات حضرة الرحمن، ويُسجل فيها ألف ألف مسلم بأسمائهم، مقروناً بجوارهم هؤلاء عتقاء الله عزَّ وجلَّ من النار.
- فإذا كان آخر الشهر أعتق الله عزَّ وجلَّ في هذه الليلة مثلما أعتق في سائر الشهر.
- إذا كانت صلاة القيام استأذن ملائكة كرام من الله أن ينزلوا إلى الأرض، يقول النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
{ إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَوْلَ الْعَرْشِ مَوْضِعًا يُسَمَّى حَظِيرَةُ الْقُدْسِ، وَهُوَ مِنَ النُّورِ، فِيهَا مَلائِكَةٌ لا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلا اللَّهُ تَعَالَى يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، عِبَادَةً لَا يَفْتُرُونَ سَاعَةً، فَإِذَا كَانَ لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ اسْتَأْذَنُوا رَبَّهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ، فَيُصَلُّونَ مَعَ بَنِي آدَمَ، فَيَنْزِلُونَ كُلَّ لَيْلَةٍ الْأَرْضَ فَكُلُّ مَنْ مَسَّهُمْ أَوْ مَسُّوهُ سَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا }
منح ليلة القدر
منح إلهية وعطايا ربانية .... تعجز الكلمات في اللسان عن عد بعض ما أمر به لنا حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ ...
ناهيك عن ليلة القدر ....
والإنسان فينا إذا أحيا العشر الأواخر بصلاة الفجر والعشاء في جماعة كُتبت له عبادة ألف شهر لله عزَّ وجلَّ .
غير ما تتنزل به الملائكة الكرام !!!! ... وأمين الوحي جبريل عليه السلام!!!! ....
وأنواع المنح والعطايا الإلهية التي تتنزل للقائمين والراكعين والساجدين بين يدي الله في هذه الليالي المباركة !!!
والمنحة الإلهية في آخر الشهر!!!! إذا كان آخر الشهر ....يقول الله عزَّ وجلَّ للملائكة الكرام:
{ مَا جَزَاءُ الأَجِيرِ إذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ قَالَ: فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ: إلهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلاَئِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي}
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ بَرَكَةٍ فِيهِ خَيْرٌ يُغَشيكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهِ الْخَطَايَا وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلاَئِكَتَهُ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً فَإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ }
أجر الصائم في الآخرة
أما أجر الصائم في الآخرة ..
فنذكر ترويحاً للقلوب شيئاً منه لنستشعر رحمة الله بنا أجمعين:
فإن الصائم في يوم مقداره خمسون ألف سنة تشتد فيه الحرارة حتى يتصبب الناس عرقاً، وتنزل الألسنة لهثاً من شدة العطش، الوحيد الذي لا يعطش في هذا المقام الصائم من أمة الحبيب المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فقد جهز الله عزَّ وجلَّ للصائمين حوضاً اسمه حوض الكوثر يقول فيه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّان، أبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وأَحْلَى مِنَ العَسْلِ، وَأَطْيَبُ رِيحاً مِنْ المِسْكِ، أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةَ لَمْ يَظْمَأ بَعْدَهَا، أَبَداً }
فالصائمون إذا قاموا للعرض يوم الحساب أول ما يُبدأ لهم:
( وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ) (21الإنسان)
تحمل الملائكة لكل واحد منهم شربة!
- بعضهم يسقيه الملائكة!
- وبعضهم يسقيه جبريل عليه السلام!
- وبعضهم يسقيه السيد الأعظم المصطفي صلَّى الله عليه وسلَّم!
المهم من شرب شربة لا يظمأ بعدها أبداً!
وتكون أفواههم في الموقف رائحتها كرائحة المسك، ليعلم الناس منزلتهم وقدرهم عند رب العباد.
فإذا حضرت الخلائق خصهم الله عزَّ وجلَّ بباب من أبواب الجنة يُسمي باب الريان، وينادي مناد الرحمن أين الصائمون؟
فيقومون، فيأمر بإدخالهم الجنة من باب الريان، فإذا دخلوا غُلِّق فلم يدخل منه أحد، ... فأول من يدخل الجنة هم الصائمون من باب خاص لمنزلتهم عند الله عزَّ وجلَّ .
ومن رحمة الله عزَّ وجلَّ بعباده الصائمين، وقد عَلِم أن:
{ كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاء، وَخيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ}
عَلِم أننا لا نسلم في صيامنا من لغو أو رفث أو خطأ ففرض علينا الحبيب زكاة الفطر، تجبر صيام المسلم، وتستر عثراته وهفواته، قال فيها سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
{ فَرَضَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصِّائمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً للْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ }
- وقد أباح العلماء أن تخرج هذه الصدقة من أول يوم في شهر رمضان، حتى تكون أنفع للفقير.
- ويُخرج الإنسان عن كل من يعوله، عن زوجته وعن أولاده وعن خادمه إن كان عنده خادم، والطفل الذي يولد في رمضان حتى ولو في ليلة العيد نُخرج عنه زكاة الفطر.
- وأيضاً الذين يأخذون الزكاة يجب عليهم إخراج الزكاة مما يأخذون من عباد الله ليتمرنوا علي الإنفاق لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَان }
الصدقة في رمضان خير أنواع البر والإحسان، وهي غير زكاة الفطر، فتنافسوا في البر، وتنافسوا في الخير، وتنافسوا في الصالحات، واعلموا أن هذا الشهر الكريم كله خير وبر ونفحات ....
فلا تُضيعوا أوقاته في الغفلات!
ولا تجلسوا أمام الفضائيات والمسليات والتلفزيونات لتضييع الأوقات!!
بل اقطعوه في العبادة!
وفي تلاوة القرآن!
وفي ذكر الله!
وفي الإستغفار لله!
وفي صلة الأرحام!
وفي المسح علي رءوس الأيتام!
وفي إزالة الضر والبؤس عن الفقراء والمساكين!
وفي مســـح الألم عن المرضي والبائســين !
اجعلوه شهر خير تكونوا فيه من السعداء يوم الدين.
مبطلات الصيام بالنسبة للخواص
****************
في مقام الإيمان
مبطلات الصيام للخواص كثيرة، قال صلَّى الله عليه وسلَّم في أولها:
{ خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالنَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ }
فهذه أول المبطلات، إذاً الصائم من الأحباب لا بد أن يصوم عن هؤلاء الخمس ويؤيد ذلك ويعضده قوله صلَّى الله عليه وسلَّم :
{ مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بهِ فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَه }
أي أن صيامه باطل، وهذا في مقام الإيمان.
في مقام الإحسان
أما في مقام الإحسان، من شهد شيئاً من غير يد المحسن فقد أفطر، فلا بد أن يشهد كل عطاء من العاطي عزَّ وجلَّ ، ولو كان علي يد فلان أو علي يد الآخر أو علي يد الثاني، لكن العاطي في الحقيقة هو الله:
اشهد يد المعطي تفز بالإجتبـا
تعطي شراب الحب في أعلي مقام
ولذلك قالوا في ذلك:
(من أكل ولم يشهد المنعم فكأنما قد سرق)
لا بد أن يشهد أن هذا الطعام من المنعم لأنها كلها عطايا المنعم وإن كانت علي يد سبب من الأسباب لكن أين مسبب الأسباب؟
من يشهد الغير فعالاً فمنقطع
لأنه مشرك قد مال للسـفل
فيشهد أن الخير كله الواصل له وإليه، أو لمن حوله هو من الله عزَّ وجلَّ ، ومع ذلك حفظاً للمرتبة لا بد أن يشكر الأسباب لأن الله قال في الحديث القدسي:
{ إذَا حَشَرَ اللَّهُ الْخَلاَئِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ: اصْطَنَعَ إلَيْهِ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِهِ مَعْرُوفاً، فَهَلْ شَكَرْتَهُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْكَ فَشَكَرْتُكَ، فَيَقُولُ: لَمْ تَشْكُرْنِي إذَا لَمْ تَشْكُرْ مَنْ أَجْرَيْتُ ذَلِكَ عَلى يَدَيْهِ }
حفظاً للمرتبة لا بد أن أشكر السبب ..
ولكن أعلم علم اليقين أنه سبب، وأن الأمر من المسبب عزَّ وجلَّ .
إذاً أشكر أولاً المسبِّب، وثانياً السبب، ولا أشكر السبب! وأنسي المسبب !!! كما يفعل معظم الخلق يشكرون السبب !!! وينسون شكران المسبب عزَّ وجلَّ .
خاصة الخاصة
أما أهل مقام خاصة الخاصة فالصيام عندهم هو الصيام عن السوي:
( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (115البقرة)
لا يشهدون في الكونين سواه!
ولا يسمعون إلا كلامه!
ولا يرون إلا فعاله!
ولا يشهدون إلا أنواره!!
يرون صفات الله عزَّ وجلَّ هي السارية في الكائنات، وهي التي تفعل:
- فيشهدون الحى إذا نظروا إلي حى!
- ويشهدون السميع إذا استمع إليهم سميع!
- ويشهدون المتكلم إذا نطق إليهم لسان!
- ويشهدون أوصاف الله هي التي تحرك الأكوان، وتحرك من بالأكوان.
وهذا مقام شهود ! وليس مقام فكر! .. ولا كسب ولا كلام!
وإنما هي حالة يحياها الإنسان ... حياة روحانية نورانية يقول فيها الله آمراً المؤمنين :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم )
ولم يقل إذا دعاكما لأن الذي يدعو واحد:
( إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (24الأنفال)
وهي الحياة الشهودية الإحسانية الإيقانية التي يقول فيها الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه:
وإن نظرت عيني إلي أي كائن
تغيب المباني والمعاني سواطع
ويقول فيها في قصيدة أخري:
الكل مني والكل عـني
فاشهد جمالي بكل عينِ
فيشهدون جمال الله في الأشياء ..
وتغيب عنهم المباني !!
لأنهم يشهدون فيها جمال المعاني.
المفطرات كثيرة للصائمين علي حسب المراتب...
لكن بداية جهادنا نحن الخمس التى جاء بها الحديث الشريف...
فنجاهد في الخمس ...
ونلاحظ صحيفة أفعالنا ...
وسجل أعمالنا.
مراقي الصائمين
****************
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (183البقرة)
إعجاز خطاب الله أن نفس الخطاب يخاطب جميع الطلاب في جميع الدرجات الإلهية بنفس الألفاظ والعبارات القرآنية ...!!!
لكن ... كل واحد منهم ... يلتقط من المعاني الغيبية والإشارات الرحمانية والأسرار القرآنية ما يليق بمرتبته عند رب البرية عزَّ وجلَّ .
من معاني الصيام
صيام العوام وصيام الخواص
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)
فهم منها قوم أن الخطاب لكل المسلمين، وهذا حق في علم التشريع، وخصَّ بها قومٌ الحقائق التي بها الإيمان عند المتقين. وكأن الله عزَّ وجلَّ يخاطب فينا القلب والفؤاد والروح والسر والخفا والأخفى ونفخة القدس، لأن هذه هي الحقائق التي آمنت إيماناً كلياً يقينياً بكل الحقائق القرآنية والبيانات الإلهية.
( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ )
كما كتب على الجسم والجوارح والنفس وهذا صيام العوام!
أما صيام الخواص فهو للفتح..
- فهناك صوم للأجر والثواب.
- وهناك صوم للفتح عند الكريم الوهاب.
أما الصوم الذي للأجر والثواب فصيام الجسم والجوارح إذا أناب العبد لله عزَّ وجلَّ ليعظم أجره، فإذا صام بجسمه أطاع، وإذا صام بجسمه وجوارحه نال أعظم الأجور عند الله عزَّ وجلَّ لمن أطاع.
وأما صيام الفتح وأهل الفتح ذكره الله في كتاب الله، فمنهم من قال: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا )، ما صيامك؟ ( فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) (26مريم)، هذا صيام!!.
والصمت ممنوع في دين الله، إذاً مع من يتكلم؟
يتكلم مع الروحانيين والنورانيين والملائكة الكروبيين وأهل عالين وعليين !!، .... أو يتكلم مع من علت روحانيتهم على بشريتهم، فأصبحوا وهم في الأجساد الآدمية أرواحاً إلهية تسكن في هذه الأجساد الآدمية وتتحرك بين الناس، .... وإن كانت تسوح بالقلب والروح
في ملكوت رب الناس عزَّ وجلَّ .
ومنهم من قالوا له إذا كنت تريد الفتح فلك آية: ( آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ) (10مريم)!!
تصوم عن الكلام مع الأنام لتتكلم مع الله عزَّ وجلَّ !!
يأتيك الله في ظلل من الغمام.
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، أيُّ الصيام؟
صيام العوام:
- عن الشراب والجنس والطعام.
- لكن يتركون لأنفسهم الحبل علي غاربه، تلهو وتلعب وتسرح وتمرح، وتشاهد المسلسلات، وتقضي الوقت في اللهو في الدومينو وفي الكوتشينة وفي الطاولة، بحجة أن هذا تسالي للصيام!
- وتقطع الوقت في القيل والقال ولو في غيبة أو نميمة ولا يحاسب نفسه علي ذلك!!
إنه بذلك دخل في قول المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
{ رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ }
هذا صيام العوام.
الصيام عن اللهو
ومن هنا فبداية الصيام لمن أراد رضاء الملك العلام أولاً الصوم عن اللهو بكل أنواعه وكافة أشكاله، يصوم عن جميع الملاهي التي تلهي الإنسان عن طاعة الله، حتى قال الله:
( لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ) (9المنافقون)
حتى ولو كان المال والولد، كل شيء كما قال الإمام الداراني رَضِيَ الله عنه:
(كل ما شغلك عن الله حتى ولو مال أو ولد فهو عليك مشئوم)
فالصيام لأهل البدايات هو الصيام عن اللهو!
ليس عند المؤمن وقت للهو، لأن الحياة الدنيا لعب ولهو، والمؤمن يعيش في الدنيا في الآخرة وهو بين الأنام ...
مزاحه حق، ولهوه حق، وكل أعماله يثيبه عليها الحق، لأنه تأسي فيها بالمصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، ولا عبرة له بما يفعله بقية الأنام لأنه يعمل بقول الله:
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) (21الأحزاب)
إذاً متى يضع الإنسان قدمه - قدم الصدق - في طريق الصائمين الصادقين مع رب العالمين؟ إذا صام عن اللهو ...
إذاً من يجلس يضيع الساعات في نهار رمضان في مشاهدة المسلسلات ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش!!، أو تَسْلِية الوقت بمشاهدة الأفلام ويعتقد أنها مباحات ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش !!
أما من يقضي وقته بشيء من اللعب فهذا يدخل في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدِ، فكأنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ في لَحْمِ خِنْزِيرٍ ودَمِهِ }
والنرد كلمة فارسية تشمل الطاولة، وتشمل الدومينو، وتشمل الكوتشينة، وتشمل الشطرنج .
- كل هذه الألعاب الذي سيلعب بها إذا كان لمجرد التسلية فسيكون كغامس يده بدم خنزير!
- أما إذا كان يلعب فيها ويتسابق علي شيء محدد فهذا قمار.
- والمؤمن ليس عنده وقت لذلك.
الصيام عن اللغو
إذا أراد الصائم أن يكون له عند الله مقام: لا بد أن يرتقي درجة عن هذا المقام! فبعد أن يصوم عن اللهو ..لا بد أن يصوم عن اللغو: عن لغو الكلام ... وهذا هو الصوم الذي يوصل العبد إلى مراقي الصالحين!
متى يقف العبد على أول طريق الصالحين؟ .إذا استطاع أن يصوم عن اللغو في كل وقت وحين، ليس في رمضان وإنما في كل الأحوال:
{ إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْماً صَائِماً، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ. فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ. إِنِّي صَائِمٌ }
والحديث الآخر وهو حديث موجه للصالحين، .... وطلاب مصاحبة ومرافقة الصالحين:
{ إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ }
وهذا هو بداية الفتح:
(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ) (26مريم)
بكلام يغضب الله!، لكن إذا وصيته أو نصحته أو وجهته فليس هذا بالكلام الذي يفسد ويبطل الصيام ..
لكن المقصد في الآية الكلام الذي يبطل الصيام .... وهو اللغو الذي نهى عنه الله:
( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) (3المؤمنون)
لكن إذا كان الكلام في الغيبة والنميمة والسب والشتم فهذا كلام يبطل الصيام، وهذا ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش!!
لكن اللغو هو التسلية، أى نتكلم كلاماً لا يسئ إلي أحد لكن ينسي المرء ذكر الواحد الأحد، مثل الكلام في الكرة، والكلام في السياسة، والكلام في أي موضوع حتى يضيع الوقت ...!!.
هل المؤمن عنده وقت يضيعه؟!
أحرص ما يحرص عليه العبد في حياته أنفاسه التي يتنفسها في هذه الحياة، فإن النَفَس الواحد أغلى من الدنيا كلها من أولها إلى آخرها بما فيها ومن فيها عند الله جل في علاه.
فالصيام عن اللغو هو بداية صيام أهل الفتح!
- ولذلك إذا وجدت نفسك لا تستطيع إمساك لسانك عن لغو الكلام فاعلم أن طريق الفتح عليك مسدود!
- وإذا أردت أن تسود وتفتح لك الكنوز ويواجهك الله عزَّ وجلَّ بما واجه به الصالحين فعليك بقول سيد الأولين والآخرين:
{ امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابُكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ }
وبيتك هنا أي قلبك ...
ويسعك بيتك أي تُقبل بالكلية على قلبك تصلحه وتنظفه وتطهره وتعمره بما يحبه الله عزَّ وجلَّ ، لأنه الموضع الذي يتجلى فيه الله لأحباب الله بالفتح الذي أعده للصالحين من عباد الله.
الإمساك عن الفضول
وهنا علامة صغيرة من علوم سيميا العارفين:
{ إذا رأيت المرء لا يكف عن الفضول فاعلم أنه لا أمل له في الوصول}
ما الفضول؟
يريد أن يعرف كل شيء، مثلاً أحد جيرانه خرج، يريد أن يعرف لماذا خرج وسبب خروجه؟!! ولو طلب أحد جيرانه رؤية أحد، يريد أن يعرف لماذا طلبه وفي أي شيء سيكلمه؟!! إذا لم يستطع الإنسان أن يقطع هذا الفضول فلا أمل له في الوصول.
سيدي ذو النون المصري رَضِيَ الله عنه جاءه رجل من جدَّة بالسعودية، وقال له: يا سيدي سمعت أنك تعرف إسم الله الأعظم فجئت إليك طامعاً أن تعلمني إسم الله الأعظم، فقال له: امكث عندنا، فمكث إحدي عشر عاماً، والشيخ يراقبه لعله يقطع فضوله، ووجد أن الفضول لا يقطع من عنده، ولا يستطيع أن يبيح له بشيء من سرِّه ما دام الفضول كامن في نفسه.
والصالحون لا يبيحوا للمريدين شيئاً من علوم رب العالمين إلا إذا:
- كان أعمي لا ينظر إلي أحد، ولا تقع عينه إلا علي نور الواحد الأحد.
- أصماً لا يسمع إلي الناس، ولا تنتبه أذنه إلا إلي سماع كلام رب الناس أو سيد الناس.
- أخرساً فلا يبدأ بالكلام إلا إذا كان ذكر للملك العلام.
فجاء الرجل بعد الإحدي عشر عاماً وقال: ياسيدي قد طالت مدتي وأريد أن أرجع إلي أهلي فعلمني إسم الله الأعظم، فقال: تريد أن تعلم إسم الله الأعظم؟ قال: نعم، قال: غداً إن شاء الله!
وفي الغد جهَّز له صندوقاً وقال له: خذ هذا الصندوق وأوصله إلي أخي فلان بالروضة – وسيدي ذي النون كان يسكن في الجيزة – حمل الرجل الصندوق، ومشي علي كوبري الجيزة، وإذا به يسمع خرخشة في الصندوق - ومعه الفضول - فقالت له نفسه: أتحمل الصندوق ولا تدري ما الذي فيه؟! هذا لا يصح.
والمريد دائماً يستمع إلي خواطر النفس، ويسارع في تنفيذها، ومع ذلك يطمع أن يفوز بمراد الله عزَّ وجلَّ!، وهذا عجب العجاب!! "وخالف النفس والشيطان واعصهما"، فأين مخالفة النفس؟!!.
فكشف غطاء الصندوق، وإذا بالشيخ كان قد وضع فيه فأراً، فقفزت الفأرة في النيل ولم يستطع إرجاعها!!
فرجع الرجل إلي الشيخ وهو كاسف البال حزين، والشيخ عرفه عندما رآه، قال: أوصلت الأمانة؟ فسكت، قال يا أخي تريد أن تعرف إسم الله الأعظم وأنت لم تؤتمن علي فأرة؟!! إذا كنت لم تؤتمن علي فأرة فكيف تؤتمن علي إسم الله عزَّ وجلَّ الأعظم؟!!
هذب النفس إن رمت الوصول
غير هذا عندنا علم الفضول
والذي معه الفضول لن يسمح له بالوصول.
كان المريد من المريدين الصادقين يصحب الشيخ سنين، وربما يمتحنه بعض إخوانه الصادقون فيقولون له: تعرف فلان الملازم للشيخ، ما الذي كان يلبسه اليوم؟ فيقول: لا أدري، صف لنا شكله؟ فيقول: لا أدري، أنا لا شأن لي إلا بالشيخ، ولا أشغل نفسي بما حول الشيخ ولا ما عند الشيخ.
عندما أراد الله عزَّ وجلَّ أن يواجه إبراهيم وإبنه إسماعيل بجمال الله وكمال الله وفضل الله أرسلهما إلي مكان ليس فيه شيء من مشاغل هذه الحياة، ليتفرغا بالكلية ... إلي فضل الله وعطاء الله:
( بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ )
لماذا؟
( رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) (37إبراهيم)
كيف يقيم القلب الصلة بالله وهو مشغول بالشهوات والحظوظ والأهواء في هذه الحياة؟!
هذا لا يكون، وَحِّد حتى تنل المقصد، فلا بد من الصيام عن الفضول، والفضول يلخصه لنا الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم فيقول:
{ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ }
ما دام هذا الشيء لا يعنيني لماذا أشغل نفسي به؟!
أشغل نفسي بما ينفعني أو بما يرفعني، بما ينفعني في الدنيا أو بما يرفعني عند الله عزَّ وجلَّ ...
أما الذي يدفعني عن الله عزَّ وجلَّ ، وعن طريق الله، وهو شغلي بخلق الله؛ ماذا عمل فلان؟! وماذا سوَّى فلان؟! وماذا كسب فلان؟!
ما لى ولهذا الأمر؟!! إذا كنت مُعيَّناً في الجهاز المركزي للمحاسبات، فمارس وظيفتك!!، لكن لماذا أنت تعيِّن نفسك؟!
عيِّن نفسك في الجهاز المركزي للمحاسبات علي نفسك، حاسبها على هفواتها وعلى صغائرها وعلى خطراتها وعلى وارداتها وعلى أفعالها حتى تنال رضاء الله عزَّ وجلَّ ، وهذا ما قال فيه الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ }
إذاً لمن يريد الفتح:
- لابد من الصيام عن اللغو.
- ومعه الصيام عن الفضول لمن أراد الوصول.
الصيام عن السهو
إذا صام الإنسان عن لغو الكلام .. واختاره الله عزَّ وجلَّ واجتباه ليكون من أهل الفتح العرفاني:
وجَّهه نحو قلبه ..، ووجَّه قلبه إليه ..، وأعانه على الصيام الموصل، وهو الصيام عن السهو، لا يسهو لحظة عن مولاه إن كان في نوم، أو في يقظة، أو في أكل، أو في شرب، أو في نكاح، أو في عمل:
( لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ) (37 النــور)
هذا لا يسهو وإن سها الساهون، ولا يغفل وإن غفل الغافلون، وإنما هو المقصود بقول رب العالمين:
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ) (191آل عمران)
ومعناها الظاهر نحن نعرفه، لكن معناها الحقيقي لأهل الحقيقة قياماً بحقوق العبودية لله، وقعوداً عن رؤية النفس وفعلها، وعلى جنوبهم ماتت نفوسهم وفنيت في الله، فاحتيوا بالله، وأصبح الذاكر على لسانهم هو الله جل في علاه.
إذاً هناك الصيام عن اللهو، ثم الصيام عن اللغو، ثم الصيام عن السهو، وهذه هي الروشتة لمن أراد الفتح العرفاني، وهي التي يقول فيها الشيخ ابن الفارض رَضِيَ الله عنه:
وإن خطرت لي في سـواك إرادة
علي خاطري نَفَساً قضيت بردتي
مقامات التقوى
هذا الصيام وهو صيام أهل الفتح حدده الله:
( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (183البقرة)
(لعلَّ) في القرآن بمعني اللام، أي: لتتقون، أي: لتصلوا إلي مقام من مقامات التقوى، تصل إلى مقام الإحسان، أو مقام الإيقان، أو مقام المعية، أو مقام العندية، أو مقام اللدنية، أو مقعد صدق عند مليك مقتدر، أو تصوم الصيام الذي يقول فيه الحبيب:
{ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ }
صوموا من أجل رؤيته عزَّ وجلَّ ، والفطر هنا لا يكون إلا بعد رؤيته عزَّ وجلَّ ، فإن غم عليكم! .. أي لم تصلوا إلى هذه الحقيقة فأكملوا عدة شعبان، أى شَعِّبوا الجهاد ..، وأكملوا العدة ثلاثين يوماً، شَعِّب أنواع الجهاد وكَثِّر أنواع الجهاد حتى تنال المراد...، وهذا الذي يقول فيه الله في نص الحديث القدسي:
{ كلُّ عملِ ابن آدمَ له، إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجْزي به }
يعني بــ (أنا): رؤية جمالي وكمالي هي جزاء الصائمين:
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (22، 23القيامة)
وهذا الصائم له فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، لأن فطره لا يكون إلا بعد لقاء ربه عزَّ وجلَّ ، وهو ما تشير إليه الآية ويفقهها أهل العناية ...
فلم يقل الله عزَّ وجلَّ (فمن حضر منكم الشهر فليصمه) وإنما قال: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (185البقرة). (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا)، لعدم استطاعته جهاد نفسه!!، ( أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ما زال يجاهد للوصول إلي ربه، وهو مسافر إلى ربه، لكنه لم يصل في سفره إلى: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى) (42النجم)، (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يجاهد فيها نفسه ويصفي فيها قلبه ليفوز بما يبغيه من العطاء والنوال من ربه عزَّ وجلَّ .
(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أى يصومونه ولكن النفس تغالبهم وتنازعهم فـ: ( فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، من وجد أنه غير قادر علي جهاد نفسه فليفتح لنفسه أبواب الصدقات والعطاءات للفقراء والمساكين، إطعام مسكين فإن زاد فهو خير له!!، لأنه أسرع ما يوصل الإنسان إلي رضا الرحمن الإنفاق. وكان صلَّى الله عليه وسلَّم أجود بالخير في رمضان من الريح المرسلة حتى قيل فيه:
تعود بسط الكف حتى لو أنه
طواها لقبض لم تطعه أنامله
كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر!!، وهذا أمر الصالحين، من أعطى البعض أخذ البعض، ومن أعطى الكل أخذ الكل!! ومقامك عند الله على قدر عطائك للفقراء من خلق الله، حتى فرض الله عزَّ وجلَّ على أهل الفتح - ليفوزوا بالمناجاة - أن يقدموا بين يدى نجواهم صدقة فقال:
(إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ) - والمناجاة هنا أى المصافاة في وقت الخلوة والسر - (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً), وكان الذي يحافظ على هذا الأمر أهل الفتح! فكان الإمام علي رَضِيَ الله عنه وكرم الله وجهه لا يذهب لمناجاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا إذا قدم الصدقة ويقول: قال الله: (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (12المجادلة).
لكن الذي معه لا بد أن يقدم: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)، ثم بعد ذلك لا ترى نفسك أنك أنفقت كثيراً (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) من التقصير في الإنفاق ومن عدم بلوغ المراد في الإنفاق (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (20المزمل) ..
فإياك أن تقل أنا عملت وأنفقت فإنك لن تبلغ ما بلغ الأولون، ولا بعض ما بلغه الموفقون من الآخرين، لأن الله عزَّ وجلَّ تولاهم بولايته وجعلهم بعنايته في كل وقت وحين.
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)
ونزه الله عزَّ وجلَّ عن الزمان والمكان، واحضر بروحك بين يدى الرحمن لتفقه سر الكلام من المتكلم به!!، فإن القرآن لم ينـزل كله في رمضان .... ولكن كما قال الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه:
هيكـل المختـار ليـل جامع
كل أنواع الملائك والعبــاد
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (1: 3القدر)
(فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (185البقرة)
باب القرب
ولذلك قال الله له صلَّى الله عليه وسلَّم ... وقال لنا أجمعين في شأن حبيبه صلوات ربي وتسليماته عليه ... قال لنا .. وأعيرونى أفهامكم:
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (186البقرة)
(وَإِذَا) للقـِلَّة ... يعنى قليلاً ما يحدث هذا ..
(سَأَلَكَ )لم يقل (وإذا سألني)، أو (وإذا سأل)، ولكن قال:
( وَإِذَا سَأَلَكَ) ... فلا بد أن يكون السؤال له صلَّى الله عليه وسلَّم.
( وَإِذَا سَأَلَكَ ) ، مَنْ؟ .. من سألك؟
(عِبَادِي) .. عمَن سألوك؟
(عَنِّي)
فالذين يسألون عن الجنة كثير، والذين يسألون عن التشريعات كثير: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ) (219البقرة) ..
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ) (222البقرة) ...
( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ) (215البقرة) ...
كل هذه تشريعات ... يسأل عنها الكثيرون ؟؟؟
لكن الذي يسأل عن الله قلَّة قليلة هم المصطفون من خلق الله:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ )
قريب! ... أين؟، عنده صلَّى الله عليه وسلَّم، لأن الله عزَّ وجلَّ قال لحبيبه:
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) (64النساء)
بمعاني التواب، ومعاني الرحمة، متجلِّياً فيها علي حضرة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.
( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ) ... صلَّى الله عليه وسلَّم .. (إِذَا دَعَانِ)
قَرَّب الله لنا المسافة، ويسَّر لنا الأمر، وأعلمنا أن الدعوة المستجابة فوراً من الله هي دعوة حبيب الله ومصطفاه ...
فمن أراد طلباً محقَّقاً، ودعاء ورجاءً يقع لا محالة، فعليه أن يتوجه إلي رسول الله ويسأله ليسأل له مولاه، فإنه إذا سأله صلَّى الله عليه وسلَّم:
( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) (5الضحى)
فإن الله وعده أن يعطيه في كل سؤال حتى يرضى:
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (186البقرة)
صيام العارفين وإكراماتهم
****************
إكرامات الصالحين
إذا واظب الإنسان على صيام جوارحه عن المعاصي، ... وأقامها في الطاعات، يمن الله عزَّ وجلَّ عليه بما منَّ به على عباد الله الصالحين، وأولياءه المقربين، .... فإن كرامات الصالحين كلها .... تقع على هذه الجوارح التي ذكرناها وسنتناول بعضاً منها ...
إكرامات العين
إما أن يُكرمه الله عزَّ وجلَّ بكرامات تظهر على العين، فيرى ما لا يراه الناظرون ...
يرى الملكوت الأعلى وما فيه من ملائكة ومقربين، وأنواع المسبحين والذاكرين والمهللين إلى رب العالمين.
وإما أن يكرمه الله عزَّ وجلَّ برؤية العرش وحملته.
وإما أن يكرمه الله عزَّ وجلَّ برؤية اللوح المحفوظ، ويكشف له ما فيه مما حفظه من الرموز والغيوب، فيطلع على اللوح المحفوظ بعين في السريرة ونور في البصيرة، لأنه عفَّ عينه، ففتح الله عزَّ وجلَّ عين بصيرته.
وإما أن يكرمه الله عزَّ وجلَّ بأن يرى حقائق فيمن حوله، ويتحقق فيه قول النبي المختار صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ اتَّقُوا فِرَاسَةَ المؤْمِنِ، فإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله، ثُمَّ قَرَأَ: (إنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ للْمُتَوَسِّمِينَ) (75الحجر) }
فيرى ما أخفاه الإنسان في صدره، أو ما صنعه الإنسان بجارحة من جوارحه، فهذا عثمان بن عفان رَضِيَ الله عنه يجلس في مجلس الخلافة، ويرى ما صنعته عين إنسان من أصحاب حضرة النبي عند دخوله عليه!!،
وقال له منبئاً عن ذلك:
{ ما بال أحدكم يدخل علىَّ وفي عينيه أثر الزنا – رأى ما صنعته العين – قال: أوَحْى بعد رسول الله يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكنها فراسة المؤمن }
فأصحاب الفراسة يرون على الجوارح ما صنعته وما فعلته.
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ فيرى خصائص الأشياء التي استودعها الله عزَّ وجلَّ في الأشياء العالية والدانية:
فلا ينظر إلى أى حجر أو نبات أوزهر أو غيره إلا ويرى فيه بنور ربه عزَّ وجلَّ خصائصه التي استودعها الله عزَّ وجلَّ فيه.
قال سيدنا أبو ذر رَضِيَ الله عنه:
{ لَقَدْ تَرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وَمَا مِنْ طَائِرٍ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إِلا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًاً }
وكان سيدى على الخواص رَضِيَ الله عنه إذا نظر في المحبرة يخبر عن كل كلمة ستكتب بهذا الحبر حتى ينتهي من المحبرة قبل أن يُكتب به!!
وكان إذا ذهب إلى المغطس (بِركة كانت في المساجد يغتسل فيها الناس من الجنابات)- ينظر إليه ويعرف جنابات من اغتسل فيه، ويقول هذه جنابة فلان، وهذه جنابة فلان!! بالنور الذي قال فيه الرحمن:
( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) (122الأنعام)
غير النور الذي يجعله الله عزَّ وجلَّ في الآخرة، ... فإن الله يجعل له نوراً يقول فيه الله عزَّ وجلَّ :
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ) (75الحجر)
الذين ينظرون إلى سيما الآخرين بالنور الذي وضعه الله عزَّ وجلَّ في قلوبهم، لأنهم غضوا الأبصار ....
ولم ينظروا بها إلا إلى ما يحبه العزيز الغفار عزَّ وجلَّ .
إكرامات السمع
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بكرامات الأذن، فيسمع تسبيح الكائنات:
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (44الإسراء)
وهناك من يفقه تسبيحهم، فيُعَلِّمه الله عزَّ وجلَّ لغات الأشياء حتى لغة الجمادات، ويسمع نطقها بألفاظ فصيحات، ويسمع تسبيح حقائقه في جسمه الظاهرة والباطنة، فقد قال سيدي أحمد بن عطاء الله السكندرى رَضِيَ الله عنه في كتابه: ( مصباح الأرواح ومفتاح الفلاح في الذكر وكيفية السلوك) عندما أخذ يذكر الله عزَّ وجلَّ في خلوته:
(حتى وصلت إلى حال سمعت فيه كل جارحة من جوارحى، وكل عضو من أعضائى يذكر الله عزَّ وجلَّ ، فسمعت الأذن تذكر، وسمعت العين تذكر، وسمعت الشَّعْر يذكر، وسمعت الأصابع تذكر، وسمعت كل عضو من أعضائي يذكر الله عزَّ وجلَّ بألفاظ فصيحة)
وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه:
نغمات تسبيح الكيان مدامي
يصغى لها قلبي يزيد هيامي
قلبي لدى التسبيح يصغى واجداً
وجد المؤله من فصيح كلامي
فيسمع تسبيح الكائنات في الآفاق !!!
ويسمع تسبيح الحقائق في نفسه !!!
ويسمع كل الكلمات بكل اللغات لجميع المخلوقات !!!
فيسمع كلام الملائكة عندما تتنزل عليه:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ)
ماذا يقولون لهم؟
(أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) (31، 32فصلت)
ويعلم كل اللغات!! فقد كان سيدي أبو العباس المرسي رَضِيَ الله عنه يسمع كل اللغات الحية ويفقهها !!!
وكان سيدي محمد أبو خليل رَضِيَ الله عنه مع أنه أُمي يتكلم بكل اللغات الحية!!
وأنتم تعلمون أن أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الستة الذين كلَّفهم بتبليغ الرسائل إلى الملوك، وأعطاهم الرسائل وأمرهم بالتوجه في الصباح الباكر كلٌ إلى جهته، ولم يكونوا يعرفون لغة البلاد التي سيذهبون إليها، وناموا وقاموا في الصباح وكل رجل منهم يجيد لغة البلد التي سيذهب إليها أحسن من أهلها
( فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (8الحجرات)
تعليم من حضرة العليم عزَّ وجلَّ ،
وبعضهم كان قوى الحفظ والتعلم فأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بتعلم السريانية وهى لغة صعبة فأتقنها فى إسبوعين فقط! ...
ويسمع بها أكثر من هذا ... يسمع كلمات الحبيب التي من سمعها فإنه فوراً عن الدنيا وما فيها يغيب، وبذكر الله يطيب، ويشتهي فوراً أن يرفع عنه كل حجاب، حتى يُمتع نظره بالنظر إلى وجه الحبيب ..
وأنتم تعلمون أن كثيراً من الصالحين كانوا يتوجهون إلى المدينة المنورة ويُلقون السلام فيسمعون بآذانهم ردَّ السلام، وسيدي عبد الوهاب الشعراني رَضِيَ الله عنه يذكر في مننه الكبرى فيقول:
{ ومما منَّ الله عزَّ وجلَّ به علىَّ أنى ما جلست في الصلاة في التشهد وقلت السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلا ورأيته أمامي وسمعته وهو يقول وعليك السلام يا عبد الوهاب }
وسيدي أحمد الرفاعي رَضِيَ الله عنه عندما وقف أمام الروضة الشريفة وقال مودِّعاً رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
يقولون عدتم، بم رجعتم؟
يا أكرم الخلق ما نقول؟
فسمع الحبيب يقول له وسمعه من حوله:
قولوا رجعنا بكل خير
واتحد الفرع بالأصول
والأزهى والأبهى والأبهر من ذلك أن يُهيأه الله عزَّ وجلَّ لسماع كلمات الله عزَّ وجلَّ التي يقول فيها لسيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام:
{ يَا مُوسى إِنَّمَا كَلَّمْتُكَ بِقُوَّةِ عَشْرَةِ آلاَفِ لِسَانٍ }
وأعطاه الله عشرة آلاف أذن !! فكان كله آذان ليسمع كلام الرحمن عزَّ وجلَّ ، ويدخل في قول الله:
( وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) (164النساء)
قد يقول البعض:
( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء ) (51الشورى)
فنشرح تلك الآية ونقول:
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا) وهم الأنبياء والمرسلون، (أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ)، والحجاب هو البشرية!!، فإذا رفع الله حجاب البشرية، وبقى الإنسان بالحقيقة النورانية، وهي النفخة الإلهية سمع بما فيه من مولاه خطاب الله جل في علاه.
) أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا)، وهذا خاصة للأنبياء والمرسلين، أو رسول الإلهام بالنسبة للصالحين والعارفين والمتقين.
إكرامات اللسان
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بكرامات اللسان، فيُنزل على قلبه البيان الذي يقول فيه بالقرآن:
( آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ) (65الكهف)
- فينطق بالعلوم الوهبية الغيبية، وينطق بالحقائق القرآنية، أو يخاطب بلسانه الحقائق العلوية، أو يخاطب بلسانه الحقائق الأرضية الكونية، وتستجيب له وتُنفذ مراده.
- وقد يعطيه الله بلسانه كن فيكون، إذا قال هذا اللسان كن لأى شيء فإنه يكون، لأن الله عزَّ وجلَّ تنزَّل له بذلك، وأعطاه ذلك بعد أن أهَّله لذلك، لأنه صان هذا اللسان عن كل كلام يُغضب حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ .
- وقد يُطوي الله عزَّ وجلَّ لهذا اللسان المسافات والجهات، كما فعل مع عمر عندما وقف على المنبر وخاطب سارية في بلاد فارس، وقال بلسانه: (يا سارية الجبل)
وسمع سارية الصوت وفقه مراده من النداء!! وهذا أعجب، وردَّ وقال: (لبيك يا أمير المؤمنين).
- وقد يجعل الله عزَّ وجلَّ هذا اللسان مجاباً في أى دعاء يطلبه من حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ ، فلا يرد الله عزَّ وجلَّ له طلب، وكل طلب يطلبه يحققه الله، ويُدخله في قوله جل في علاه:
( لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ) (34الزمر)
إكرامات اليد
وقد يعطيه الله عزَّ وجلَّ كرامات اليد:
- فلا تلمس مريضاً إلا شفته، ولا سقيماً إلا أبرأته، وراثة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
- ولا تلمس طعاماً إلا باركته، إذا وضع يده في طعام فإن البركة توضع في هذا الطعام حتى يكفي الفئة الكثيرة من الأنام.
- وقد يجعل الله هذه اليد في قوة قول الله:
{ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا }
كَيَد موسى عندما وكز المصرى، كما قال الله:
(فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى) (15القصص).
إكرامات القدم
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بكرامات الرِجْل:
فيطوي له الأرض، أو يمشي في الهواء، أو يمشي على الماء، وكل ذلك بهذه القدم العصماء التي لا تمشى إلا في طاعة خالق الأرض والسماء عزَّ وجلَّ .
وكم في أخبار الصالحين في هذا الباب ما لا يُعد ولا يُحصى إكراماً من الله لأنهم صانوا هذه الأعضاء واستخدموها فيما يُرضى الله عزَّ وجلَّ .
إكرامات البطن
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بكرامات البطن:
فلا يرى أو ينظر أو تمتد يده إلى طعام فيه شبهة أو حرام إلا وتصدر إشارة منبهة من البطن إلى عضو مناولة الطعام وهو اليد، فيعلم أن هذا الطعام فيه شبهة أو حرام، فيمتنع عن أكله، ويحفظه الله بحفظه، لأن الله عزَّ وجلَّ خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
الإمام المحاسبي رَضِيَ الله عنه كان إذا امتدت يده إلى طعام فيه شبهة أو حرام يضرب عِرق في يده، فيعلم أن الطعام فيه شبهة فيمتنع عن تناوله!!، ولما امتحن قوم سيدي أبو العباس المرسي رَضِيَ الله عنه ، وجاءوا له بدجاجة خنقوها ولم يذبحوها، وسووها ووضعوها أمامه، فنظر إليها ثم انتفض وقام وقال: { إن كان الحارث المحاسبي له عرق ينفض فأنا كلي عروق تنفض، هذه الدجاجة مخنوقة!! }
علامات توسمات يعطيها الله عزَّ وجلَّ للصالحين الذين حفظوا بطونهم عن الحرام والشبهات والآثام، ولم يدخلوا فيها إلا الطعام الذي يرضي الملك العلام عزَّ وجلَّ ، وعملوا فيها بمنهج المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فلم يملؤها حتى من طعام حلال، ولم يُعطوا النفس كل ما تتمناه من شهوات ورغبات ...
وإنما كان يقول الواحد منهم لنفسه، مكرراً قول حبيبه:
{ مَامَلأَ آدمِيٌ وِعَاءً شَرَّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلْثٌ لِنَفَسِهِ }
إكرامات القلب
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بإكرامات القلب؛ فيكون هذا القلب له إطلالة علوية على الأحوال الربانية التي لا يطلع عليها الملائكة الكرام، ولا أهل عالين، ولا أهل عليين ،لأن الله عزَّ وجلَّ أكرمه بوراثة سيد الأولين والآخرين صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بالإلهام. وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بالسكينة تتنزل عليه على الدوام، وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ بالطمأنينة لذكر الله الذي لا يتحرك القلب إلا به وبه الحياة.
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ فيفتح له كنوز الحكمة في قلبه، وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ فيُفرغ له من أسراره التي لا يُطلع عليها إلا خواص عباده.
وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ فيجعل في قلبه ما قال في شأنه سيدي أبو اليزيد البسطامي رَضِيَ الله عنه وأرضاه:{ العرش وما يحويه سبعمائة ألف مرة لا يملأ زاوية واحدة من زوايا قلب العارف }.
ويكفي أن تعرف في وسعة هذا القلب قول الله تعالى في الأثر المروي عن حضرته:
{ مَا وَسِعَنِي سَمَائِي وَلاَ أَرْضِي، وَلكِنْ وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي المـُؤْمِن }
إذاً قلب العبد المؤمن أوسع من السموات والأراضين ومن فيهن بما فيه من ألطاف إلهية خفية، وعلوم ربانية، وأسرار ذاتية لا نستطيع الإباحة بها في هذه المجالس الدنيوية، وإنما تستطيع أن تتذوقها إذا ترقيت إلى هذا المقام، وخصك الله بهذا العطاء إكراماً من المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم.
إكرامات الفرج
قد يكرمه الله عزَّ وجلَّ إذا حفظ فرجه إلا عن زوجه وأهله، فيجعل الله عزَّ وجلَّ له أولاداً من قلبه، وأبناءً من روحه، كان يقول فيهم سيدي أحمد البدوي رَضِيَ الله عنه مخاطباً أحبابه: (يا ولد قلبي)، فيجعل الله عزَّ وجلَّ له من الولدان المخلدين ما لا يُعد ولا يُحد، وهم امتداد له في الدنيا، ورفقاء له في الدار الآخرة، وزيادة خير عظيم له يوم لقاء الله.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يكرمنا ببعض هذا الإكرام، وأن يتعطف علينا ببعض هذا الإنعام، وأن يجعلنا من المُصطفين الأخيار.
حقيقة العيد
نصيحة فى صيام الست من شوال
عيد الفطر مدته ثلاثة أيام، ولذلك كان بعض الصالحين لا يبدأ في صيام الست من شهر شوال إلا بعد أن تنتهي أيام العيد، وبعضهم كان العيد في عُرْفه يوم واحد فيبدأ الصيام من ثاني يوم من أيام العيد.
وأنا في الحقية قرأت في مجلة المدينة المنورة التي كان يُصدرها الإمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه وأرضاه، أنه رَضِيَ الله عنه كان يؤجل صيام شوال إلي حين الإنتهاء من أيام العيد الثلاثة، ويقول:
{ لا يحق لمسلم أن يزور مسلماً وهو صائم، لا بد أن يترك له فرصة لإكرامه }.
ولا يستحسن لمفطر أن يزور صائماً:
فربما لم يُجهز بعد شرابه وطعامه، لأنه يُجهز لوقت الإفطار، وما دام الله جعل العيد فسحة للمسلمين أجمعين فعلينا أن نفرح بالعيد ونشارك المسلمين في فرحهم في أيام العيد الثلاثة، ثم بعد ذلك نصوم.
غير أني أقول:
كل هذه الأقوال من باب المستحبات، وليس من باب الإلزام، لأننا لو سمعنا أقوالاً نسارع فوراً إلي تبني قول والتعصب له، أعطِ نفسك ولغيرك فسحة في تقبل الأقوال، فكل قول ليس في كتاب الله أو في سنة حبيبه ومصطفاه واضحاً وضوح الشمس فللأئمة الكرام اجتهادهم في هذا الباب، واجتهادهم مادام بنية صالحة لله عزَّ وجلَّ يدخل في قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ إذا حكمَ الحاكمُ فاجتهدَ ثم أصابَ فله أجران، وإذا حكمَ فاجتهدَ ثم أخطأ فله أجر }
معنى العيد
وكلمة العيد: تعني الإعادة، وتعني التجديد.
والإعادة أن يعود الإنسان لحاله الأول الذي خلقه عليه الأول عزَّ وجلَّ ، فقد خلق الله عزَّ وجلَّ الإنسان في أحسن تقويم، في مواجهات لحضرة الله، وفي مكاشفات في ملكوت الله، وفي مؤانسات مع ملائكة الله، وفي صفاء ونقاء مع جميع خلق الله...
ويظل الطفل في هذه المشاهد العالية حتى تنزل عليه ستارة الحواس، أي أنه طالما لم يتحقق الطفل بصورة من حوله فهو في هذه المشاهد، وأول ما يتبين الطفل ويعرف أين أمه وأين أباه، ويعرف من حوله، أى نزلت ستارة الحواس، العين والأذن وغيرها، تنتهي أحواله العلية !!
ولا ينالها بعد ذلك إلا بالمجاهدات القرآنية، وتزكية النفس على منهج خير البرية صلَّى الله عليه وسلَّم.
رمضان تجديد للجسم وصلاح للقلب
والله عزَّ وجلَّ يُحبنا معشر المسلمين، يُحب أمة الحبيب إكراماً للحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم، فجعل الله عزَّ وجلَّ شهر رمضان – تستطيع أن تسميها باللغة الدارجة – عَمْرة شاملة كاملة للإنسان ...
- عَمْرة للجسد تُصلح كل أعضاء الجسد بالصيام عن الشراب والطعام والنكاح:
تصلح المعدة والأمعاء وكل الأجهزة، وتصلح النفس بتهذيبها وتصفيتها وترقيتها وتخليصها من حجابها ورجوعها إلى صفاءها الأول، حتى يكون الإنسان بعد هذه العَمرة النفسية داخلاً في قول رب البرية:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) (47الحجر)
- وعَمرة شاملة للقلب:
تُزيل منه الأحقاد والأحساد والغل والبغض والكره والأثرة والأنانية، وتجعله كما هو دأبه مملوءاً بحب الله وحب حبيبه ومصطفاه، وموالاة أولياء الله، والتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ بما يُحبه ويرضاه من النوافل والقربات والعبادات، والتحبب إلى خلق الله بمعاملتهم بالأخلاق الكريمة التي خلَّقه بها مولاه، فيكون في حال:
{ إن الله يُحب من خَلْقه من كان على خُلُقه }
ولمـَّا كانت السيارة لا تستطيع أن تمشي في الظلمات إلا إذا كانت أنوارها في أكمل الحالات، فكذاك الإنسان لا يستطيع أن يمشي في ظلمات الشبهات والشهوات والمفسدات وطغيان الماديات والأهواء إلا إذا كانت أنواره الربانية التي خصَّه بها الله عزَّ وجلَّ على أكمل وجه، فتُنير له الطريق، وتجعله يسير سير أهل التحقيق، ويكون داخلاً في قول الله عزَّ وجلَّ: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (122الأنعام).
العودة إلى الجمال الأول
فــــإذا :
- صلح الجسد.
- وصلحت النفس.
- وصلح القلب.
- وصلحت الروح:
هبَّ على هيكل الإنسان وحقائق الإنسان نفخة روحانية من الحنان المنان، تُعيده إلى مشاهد الإيقان التي شهدها قبل وجوده في هذه الحياة، فيُعاد إلى يوم (ألست بربكم) ويعيش فيه، ويحيا فيه، وينظر إلى ما درى وما جرى فيه، ويسمع ويرى عياناً وكفاحاً ميثاق الله عزَّ وجلَّ الذي واثق به الخلق:
( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) (172الأعراف)
فالعيد هنا هو الإعادة أو العودة إلى هذه الأحوال العالية.
أنواع الناس في العيد
ولذلك فالناس في العيد أنواع علي حسب مقامهم وقربهم من الله عزَّ وجلَّ ، ومتابعتهم لحبيبه ومصطفاه صلَّى الله عليه وسلَّم:
العوام
فأما العوام فكأنهم في شهر رمضان محبوسون في سجن، لأنهم سجنوا أنفسهم من اللهو ومن اللعب ومما شابه ذلك وشاكل ذلك.
ولذلك في يوم العيد يجددون الصخب واللهو واللعب ويظنون أن هذا هو المطلوب، ويستشهدون بالحديث على غير وجهه ويقولون: قال صلَّى الله عليه وسلَّم لما وجد الأنصار لهم عيدان:
{ مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ }
والحديث الآخر عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهَا:
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنىً تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ بالدف، وَرَسُولُ اللّهِ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ عَنْهُ، وَقَالَ: دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، فَتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِني أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ }
فجعل هذا النوع من الناس الفسحة في اللهو واللعب والطرب، ولذلك نسمع أنه في أيام العيد تكون أكبر نسبة من المبيعات على مستوى الجمهورية للمسليات والألعاب.
هؤلاء العوام يحتاجون إلى التنبيه من أولي الألباب:
لكن بالحكمة وفصل الخطاب:
لأن عندهم شراسة ويسهل عليهم العداوة والإنقضاض على الفريسة، ولذلك يجب تنبيههم بالطريقة المحمدية الربانية السديدة السليمة بالحكمة والموعظة الحسنة التي تؤدي الغرض ولا تُزيد المرض.
لماذا؟ لأن الموعظة فقط ربما تزيد المرض، وتجعله يركبه العناد ويزيد في الفجور، ..... لكن لا بد من الموعظة الحسنة التي تؤدي الغرض ولا تزيد المرض ...، وهي الموعظة التي أمر الله بها الناصحين من أهل هذا الدين في كل وقت وحين...
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
عودة القلب للصفاء
ومن الناس من يعود إلي صفاءه الأول الذي كان عليه يوم أن نزل إلى هذه الحياة، وهذا يُتوج فوراً بتاج ولاية الله عزَّ وجلَّ :
( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (89الشعراء)
فهو في شهر رمضان يُسلم قلبه من الحظ والهوي والأغراض والعلل والبواعث الدنيوية والشهوات والحظوظ الجلية والخفية حتى يكون هذا القلب كما أوجده الله عزَّ وجلَّ ، وكما ملأه بعلومه وأحواله سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فيتفضل الله على هؤلاء بتجديد في أحوالهم، وتغيير في سلوكهم، وتطوير في رقيهم في بواطنهم إلى حضرة ربهم عزَّ وجلَّ، وقد قالوا قديماً: ( إن العيد للبس الجديد) ....
ففهم قوم أن لِبس الجديد هو إبدال الثوب القديم بثوب جديد، وهذا حَسن وسُنَّة، لأن من سُنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن الإنسان يلبس في العيد أغلي ما عنده من الثياب إن كانت قديمة، أو الثوب الجديد إن رزقه الله عزَّ وجلَّ بثوب جديد ....
لكن جعل الله عزَّ وجلَّ الأعمال الظاهرة كلها منبهة إلي الأحوال الباطنة ... وانتبهوا لهذا المعنى:
فإذا كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد طالب أصحابه ومن بعدهم ونحن منهم إلي يوم الدين بلبس الجديد من الثياب في العيد، فبالأحري أن يكون قلب كل إنسان صار جديداً لحضرة الله عزَّ وجلَّ ، وقد قال في ذلك أحد الصالحين رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين:
قالوا غداً العيد ماذا أنت لابسه
قلت حلة ساق عبده جرعا
فقر وصبر هما ثوبان بينهما
قلب يري ربه الأعياد والجمعا
القلب له لبسة يقول فيها الله:
( وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ) (26الأعراف)
فكما ألبست الجسم جديداً:
ينبغي علىَّ أن أُلبس القلب حالاً ربانياً جديداً من الأحوال التي يحبها الله، لا من الأحوال التي ينظر إليها خلق الله !!!
نحن في الجسم نلبس ما يُكسبنا أبهة ومنظراً حسناً وشأناً عند الناس، لأن الجسم موضع نظرهم، حتى أنهم قالوا في أمثالنا:
(كُلْ ما يعجبك والبس ما يعجب الناس).
لكن القلب أُلبسه ما يُعجب الناظر إليه، ومَنْ الناظر إليه؟
الذي قال فيه حضرة النبي:
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ }
ماذا ألبس في القلب؟
ألبس فيه حلة الفقر، والفقر ليس معناه الفقر الدنيوي، ولكن معناه الإفتقار، أي أن يشعر أنه في حاجة مستمرة في كل أنفاسه إلى الله عزَّ وجلَّ ، وهذا اسمه الفقر إلى الله عزَّ وجلَّ ، أي أنه محتاج إليه، وهل هناك أحد لا يحتاج إلى الله في كل نَفَس؟!!
ويُلبسه حلة الزهد في هذه المـُتع الفانية.
ويُلبسه حلة الصبر على تنفيذ أوامره وشرعه عزَّ وجلَّ بدون ملل ولا كلل ولا كراهة ... لأني لو أديت العمل وبي غضاضة فإن هذا العمل لا يُحبه الله عزَّ وجلَّ ولا يُقبل عليه، فلا بد أن أؤدي العمل وأنا أحبه.
ويُلبسه ثوب الخشوع.
ويلبسه ثوب الإنكسار لله عزَّ وجلَّ .
ويلبسه ثوب الشكر لله على عطاءاته وهباته ...
يُلبسه ثوباً من هذه الأثواب الغالية العالية التي تضمنتها حقائق القرآن الباقية، الخشية، الخوف .... فالقرآن ملئ بهذه الأثواب التي يجب أن يتحلى بها المرء في قلبه ليُقبل عليه ربه عزَّ وجلَّ .
تجدد النوايا
ويجدد الخاصة في يوم العيد مع ثيابهم نواياهم لربهم عزَّ وجلَّ .
يُجدد النوايا ويُصلح الطوايا، لأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنبأنا فقال:
( إِنَّما الأعْمَالُ بالنِّيات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى )
فلا يعمل عملاً صغيراً أو كبيراً إلا ووزنه بميزان الله:
( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (162، 163الأنعام)
تجدد الرعاية والمراقبة لله
ومِنَ المـُخلصين، أو إن شئت قلت خاصة الخاصة:
من يُجدد رعايته ومراقبته لمقام ربه.
فإن لله عباد يقول فيهم الله:
( إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) (128النحل)
هم مع الله في كل الأحوال، في اليقظة والمنام، في الحل والترحال، في المشي وفي الجلوس، في الأكل والشرب ..... في أي عمل تجدهم يراقبون الله، ويشعرون أن الله يطلع عليهم ظاهراً وباطناً، ولا تخفي عليه خافية من أمرهم.
هؤلاء يُجددون في العيد هذه الرعاية لله عزَّ وجلَّ ، حتى يتمكنون في هذا المقام، فيرفعهم الله عزَّ وجلَّ إلى المقام الأعلي، وإلى المقام الأرقي حيث حضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصحبه الكرام.
إذاً مِن الناس:
- من يُجددون ثيابهم.
- ومنهم من يُجددون نواياهم.
- ومنهم من يُجدد رعايته لله.
- ومنهم من يُجدد مراقبته لله.
وتجديد المراقبة:
هو مقام أكمل من الرعاية، لأن المراقبة مقام شهود: ..{ أنْ تَعْبُدَ اللَّهِ كأَنَّكَ تَراهُ} ... هذا مقام المراقبة
{ فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يراك } ...هذا مقام الرعاية.
ومقام الرعاية هو المقام الأعلي في الصالحين والصالحات.
وهؤلاء القوم يقول فيهم القائل رَضِيَ الله عنه:
في كل نَفَسٍ لهم نور يواجههم
من حضرة الحق ترويحاً وتيقينا
فيُجددون هذه الأحوال العالية مع العيد، ليتمكنوا في أي مكان من مراقبة الله، ويزيد نموهم في هذا المقام، وقربهم في المتابعة للحبيب المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
العيد عند الصالحين
أحوال كثيرة يجددها الصالحون في العيد ...
ولذلك العيد للصالحين عَوْد حميد إلي مقام جديد من عند الحميد المجيد، يُلبسهم فيه ويُحلهم فيه النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم ...
ومَن لم يحدث له هذا فلا يشعر بحلاوة في قلبه للعيد!!
وإنما يُعَيِّد كما يُعيِّد الأطفال والصبيان !!!1
لكن هؤلاء الرجال ليسوا كذلك.
دخل رجل على الإمام عليّ في يوم العيد وهو يأكل خبزاً جافاً!!
فقال: ما هذا يا إمام؟!! حتى في يوم العيد!!
قال رضى الله عنه وكرَّم الله وجهه:
{ وما العيد؟ اليوم عيد من تَقبَّل الله صيامه وشكر سعيه وغفر ذنبه، اليوم لنا عيد وغداً لنا عيد وبعد غد لنا عيد وكل يوم لا نعصى الله عزَّ وجلَّ فيه فهو لنا عيد }، و لما رأى كرّم الله وجهه زينة النبط بالعراق في يوم عيد؛ قال: { ما هذا الذي أظهروه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم عيد لهم، فقال: كل يوم لا يعصى الله عزَّ وجلَّ فيه فهو لنا عيد }
انظر إلى المفاهيم الناضجة عند الإمام عليّ رَضِيَ الله عنه وأرضاه، فهذا هو العيد الذي يعيشه الصالحون.
لابد أن يفوز بحال جديد ومقام حميد من عند الحميد المجيد، كشوف الترقية تنزل يوم العيد، فلا بد أن يكون لك اسم في هذه الكشوف، لمن ذلك؟ لمن أقبل على القلب، وليس على القالب، لمن أقبل على القلب، وجعل أعمال القالب والجوارح والأجسام منبهات إلى ما يرجوه الله عزَّ وجلَّ من قلوب القوم الكرام الذين يتأسون بالمصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
من المضنون في الصيام
****************
أسرار الصيام
************
من أقوال الصــــالحين
قال الأمام أبو العزائم رَضِيَ الله عنه ملمعاً لبعض أسرار الصيام:
الصيام :
هو الفريضة التي هي ترك في الحقيقة، وهو العمل الروحاني الذي يصير الإنسان فيه كالملائكة الروحانين، لتركه ضروريات الحياة الجسمانيه ولوازم النفس الحيوانيه، وهو رمز يشير إلى أن الإنسان حيوان ومَلَك.
فهو بقوته الحيوانية يعمل أعمال البهائم، وبقوته المـَلَكية يعرف الله ويعبده ويتشبه بسكان ملكوته الأعلى، فيترك لوازم قواه الحيوانية بالصوم، ليتذكر قوته المـَلَكيه، ولتطهر نفسه من كثافة الأعمال الحيوانيه.
فإن النفس يقوى طمعها وميلها إلى الحرص والأمل والحماقة والخيانة وبغض بني نوعها كلما توسعت في كل ما يقوي الحيوانية، ويكون الإنسان بذلك بعيد عن رتبة الإنسانية قريباً من الأنعام لتشبهه بها، فإذا قلل من ضروريات حياته الحيوانية، وتشبه بحياته المـَلَكية من الصوم والنفقة كان أشبه بالملائكة منه بالحيوان، وكان الصيام تزكية لنفسه، وشفاء لها من أمراضها، وصفاء لجوهرها، حتى تتكمل بكمالها الحقيقى الذي تكون به في مقعد صدق عند مليك مقتدر تخدمها الملائكة.
فالصوم عبادة من حيث أنه فرض فرضه الله، وشفاء من حيث أنه يرد للنفس صحتها، وتزكية من حيث أنه جلاء للنفس من التطرف عن الجادة الوسطى التي هى الفضيلة، وبه تُجمَّل النفس بالرحمة والصلة والبر والإحسان والتواضع، فيكون الصائم عبداً عاملاً لله بتركه الأكل والشرب وملامسة النساء مما أباحه الله له في غير رمضان، فيكون متجملاً بجمال الروحانين، ومتخلقاً بأخلاق الله من الرحمه والعفة والإحسان والود والشفقة، ومجاهداً نفسه في ذات الله بحبسها عن شهواتها ليتأهل لملكوت الله، وينعم بالنظر إلى وجهه سبحانه .. فما أيسر ما ترك، وما أعظم ما نال !!!!!
يقول الشيخ عبد الباسط القاضي مبيناً حكمة أحكام الصيام في كتابه: (حكمة أحكام الدين)
الصيام: معناه اللفظي الترك.
ومعناه الشرعي الإمساك عن الطعام والشراب، وقد أثبت القرآن هذا المعنى في محكم آياته، قال تعالى في ترك مريم للكلام:
(إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا) (26مريم)
وقال تعالى في معنى الإمساك:
( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (187البقرة)
فكل ماتركته وأمسكت عنه زماناً أومكاناً أوكلاماً يسميه أهل العلم صياماً.
وحيث أن الصيام أساسه الترك والإمساك، فليس له نهاية في المعنى.
فللجسم صوم، وللسان وللعين وللأذن صوم، وللخيال وللوهم وللفكر صوم، وللعقل وللروح وللقلب صوم، وللسر وللغيب صوم ، وللخفا وللأخفا صوم، ولأنواع النفوس الإنسانية صوم، ولنفخة القُدُس صوم، وللفارِّين إلى الله صوم لا ينتهى أبداً.
وكل حقيقة، أو حالة، أو درجة، أو مقام، أو خُلُقاً، إذا تركته وانتقلت إلى غيره يسمى ذلك صياماً.
والحقائق والمراتب والمقامات والمواهب لا انتهاء لها، والترك والسير والفرار لله لاينقضي.
وكذلك الصوم عن العلم والعمل والعبادة والقناعة والتعفف والزهادة، والصوم عن جميع الطاعات فهو ترك الإعتماد على شيء منها، فلا يقول العالم علمي يرفعني، أو العابد عبادتي تنفعني، أو أعمالي الصالحة تقربني، فإن ذلك شرك خفي، وتوكل على غير الله.
والعارف بربه يصوم ويترك الإعتماد إلا على ربه، فيتعلم ويعلم ويعبد ويزهد ولا يجعل لله كُفُواً أحد، ويرى أن هذه نعم من الله عليه.
صوم الأعضاء الظاهرة
فترك الطعام هو إضعاف القوة الجسمانية، لتقوى الحقيقة المعنوية الروحية، وفيه صحة للجسم وراحة للأعضاء، وصوم اللسان هو كفه عن كل قول سيء لاينفع سر قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ }
لأن اللسان هو بريد المملكة الإنسانية، فكل ما ينطق به يطبع على القلب، ويرسم على النفس.
فحكمة ترك مخالطة الغافلين وعدم مجالستهم هو صون وتصفية للذهن وللعقل، والبعد واللغو واللهو والاشتغال بالأقوال والأعمال المفيدة، وهو صوم عن المكان، أى ترك كل مكان يشغل الصائم عن ربه، لأن للمكان تأثيراً على الإنسان، إما يُذكِّر الإنسان بربه كالمسجد، أو يذكره بإجرام المجرمين وعصيان العاصين كالمواخير والحانات وما يشابهها.
وصوم العين والأذن هو تركها لرؤية كل منظر محرم ومكروه، أو سماعها لكل قول فاحش قبيح، لأنهما موصلتان إلى مملكة الخيال، فإن وصَّلتا له قبيحاً قبَّحته، وإن وصَّلتا له حرام دنَّسته .....
وهكذا كل الجوارح.
صوم القوى المعنوية
وصيام الخيال:
هو ترك البحث في الأمور المادية بما لاينفع ولايفيد، لنقاءه وقيامه فيما ينفع، لأن وظيفته فهم واستنباط ما في المباني من منافع للعالم.
وصوم الوهم:
هو ترك البحث في المعاني الفاسدة مثل الروايات والقصص التي لاتنتج صوراً حسنة، ولا تظهر همة عالية.
لأن وظيفة الوهم هو تحصيل ما في المعاني من صور وهيئات، فإن شغل بعظيم من القول أو الحكمة صوَّر هذه العظمة، وأوجد في الإنسان علو الهمة، وكم من رجال توهموا سِيَر العظماء فأصبحوا مثلهم في العظمة والإقدام، وخير ما يشغل الوهم هو شغله بسِيَر الأنبياء والأولياء، لأنهم عظماء البشر وسيرتهم كلها خير.
وصيام الفكر:
هو تركه التدبير في الشهوات، ونوال ما فيها من رغبات، وصفاؤها من أدران السفليات، واشتغاله بما يحيط به من آيات الله.
لأن الفكر سراج نوراني، ووظيفته التدبر والتأمل فيما في هذا الوجود من آيات تدل علي وجود وعظمة رب هذا الكون، وهو وزير للعقل، ودليل للنفس، فإن فسد الفكر فسدت مملكة العقل، وخاب في فهم آيات الله المكتوبة على صفحات السماوات والأرض
وصيام العقل :
هو عدم الوقوف عند الماديات، وتجاوز الأسباب بعد الأخذ بها، والصعود منها إلى المصدر الذي يسببها ويدبرها، فيلاحظ أن ما في الوجود من العوالم لم تقم بالطبيعة ولا بنفسها، وإنما قامت بحى قيوم هو أقرب لها منها، فينتقل من ظلمة الكون إلى نور المكون، وينفذ من أقطار السموات والأرض إلى فسيح أنوار الآيات، ومنها إلى جنة التجليات
صوم الحقائق الباطنة
وصيام الروح:
هو تركها سجن البشرية والإنسانية، وفرارها إلى عوالمها الملكوتية النورانية، فتكون سفيرة المملكة الإنسانية إلى العوالم العلوية، فتقتبس من الغيب المصون والعلم المكنون أسرار القدرة وأنوار الحكمة وسر تجليات الأسماء والصفات، فتُجمل الهيكل الإنسانى بالشهود وتكشف له عن حقائق الوجود.
وصيام القلب:
هو ترك التقلب فيما سوى الله وإخراج الأغيار وتعلقه بالذات العلية وحدها.
وأما صيام السر:
فهو ترك الإباحة بما لا يباح إلا لأهله من أهل الله، وترك الإشتغال بهذه الأسرار عن المعطي الوهاب، قال تعالى:
( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ )(175: 176الأعراف)
لأنه شُغل بالعطاء عن المعطي، فصيام السر في كتمانه إلا إذا اقتضت الضرورة، فأهل السر في خطر عظيم إلا من أتى الله بقلب سليم، فحاله الخوف والرجاء، وحصنه التملق والتضرع، وقوته ذل العبودية، وشرابه القيام على أعتاب الربوبية، وصيامه لا حول ولا قوة إلا بالله، وقيامه وما توفيقي إلا بالله.
وصيام الخفا والأخفا:
هو صوم المصطفين الأخيار، العاكفين على الذات، الفارِّين خلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وردوا بحار الدنو والتدلي، وغرقوا في غيب البها والتجلي، فهم تاركون لغير الذات، ومفارقون لسواه، وهم عن جميع الموجودات صائمون.
صيام النفوس
وأما صيام النفوس:
فلا تحيط به العبارة ولا الأفكار، فصوم النفس الجمادية تركها للكسل المخل بحكمة العمل الذي قال فيه في الكتاب المكنون:
( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (105التوبة)
وصوم النفس النباتية:
فإننا نرى الإنسان مشغول بتنمية جسمه، واقف عند نحافته أو غلظة بدنه، كالبستاني الذي يشغل جميع وقته في إصلاح نباته، وقد أضاع كثيراً مما عليه من واجبات. فحكمة صوم النفس النباتية هو تركها لأعمال المترفين، واتباع سُنَّة رسول الله، وهي الوسط لتقوم لله خير قيام بوظيفتها التي خُلقت لها.
وصيام النفس الحيوانية:
هو ترك كل الصفات الحيوانية مثل الطمع والجشع والشره والحرص على المتاع الفاني.
فإنك ترى الإنسان حال غضبه تظهر فيه جميع خصال الحيوانات، فيضرب برأسه مثل البقر والضأن، ويرفس برجله مثل الحمار والفرس الجامحة، وغير ذلك من المعاني الحيوانية.
وحكمة صومها أن تطهر من الصفات الحيوانية السفلية، حتى تصلح إلى المقامات العلية.
وصيام النفس الشهوانية:
هو ترك الإنهماك في الملذات، والعكوف على الشهوات من النساء والبنين والأموال والمباني والضياع، فإن النفس الشهوانية إذا لم تصم عن حظها وهواها، ولم تطع خالقها تنحط إلى أسفل الدركات، وتضيع حياتها الغالية سدى.
وحكمة صيامها علو مقامها، وحفظ شرفها، ونوال الشهوات الباقية، والملذات الدائمة عند العليم الحكيم في جنات تجري من تحتها الأنهار.
وصيام النفس السبعية الوحشية:
هو ترك الإعتداء على المال والنفس، وترك البطش بالضعفاء، والإفتراء على الأتقياء، والفتك بالأجسام البريئة، فالإعتداء له حدود وقصاص.
وحكمة صيامها:
هو رقيها من درجة الوحشية إلى درجة النفوس الرحمانية، حتى تستعمل قوتها وجرأتها وشدتها في صلاح العالم، فتطهر الأرض والبلاد من الظالمين، وترد المعتدين، وترفع شأن العدل بين العالمين كما فعل رسول الله وأصحابه من بعده، فالقوة السبعية تكون نعمة ورحمة إذا صامت عن الإثم والعدوان، وتعاونت على البر والتقوى.
وصوم النفس الشيطانية:
هو ترك الخبث والخبائث وكل شر، والبعد عن الكيد والمكر والخداع، والصيام عن ذلك بعد معرفته وعدم استعماله إلا لدفع كيد الكائدين ومكر الماكرين ونفاق المنافقين، فتكون تلك الصفات مقصورة للدفاع لا للإنتفاع، كما كان يقول سيدنا المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم:
{ الْحَرْبُ خَدْعَةٌ }
وحكمة صيام النفس الشيطانية :
هى تركها لأعمال الشر، وترك الغرور والكبر والغل والحسد وكل الصفات الشيطانية حتى تترقى إلى أعلى الصفات الملكية فإنها إذا صامت عن صفات الشياطين سادت على الملائكة.
وصيام النفس المـَلَكية:
هو عدم الاغترار بمداومة التسبيح والتقديس، لأن النفس الملكية لا تنجو إلا إذا فنت وتجردت عن عباداتها، فتركها وعدم رؤيتها لتسبيحها وتقديسها دلالة رقيها، وهي التي قالت قبل صومها حال اللبس والشك:
( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) (30البقرة)
وحكمة صيامها :
رقيها عن مقامها، ورفعها عن شهودها لأعمالها بنفسها، فتدخل حصن التوحيد الخالص، حتى تشهد سر الأسماء والصفات في مظهرها، وتشرب من رحيق صافى شراب ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فتتحق بالواحدية، وترى آثار الوحدانية، فتعمل جميع الأعمال له، ولا تُحجب بها عنه سبحانه.
وأما النفس اللوامة :
فهى نعمة ورحمة، أو نقمة وبلية، فبها التقريع والتشنيع والملام، وبها النقد والنصح، فإن صامت عن تقريعها وتشنيعها وملامها لغيرها، وصوبته نحو نفسها، زكت وفازت ونالت الفلاح، وإن شُغلت بالإعراض والإعتراض بُليت بالمفاسد وهلكت مع الهالكين.
فكم من نفوس في هذا البلاء وليس لها عمل إلا الذم والإعتراض على عباد الله، وكم من لائمين على الصالحين والأولياء ومنتقدين للعلماء، وهم في لومهم وفي أنفسهم أشر من الشر.
فالنفس اللوامة شأنها عظيم، وقد أقسم الله بها سبحانه في كتابه.
وحكمة صيامها:
تركها وفرارها مما يضرها من الملام إلى ما ينفعها من الحكمة لترقى من الإنحطاط، وتسعى في سبيل الإصلاح النافع لها ولغيرها، وهنا تنتقل من دائرة الأخلاق الفاسدة إلى أنوار الحكمة، فتصبح داعية لله على بصيرة.
وصيام النفس الأمارة بالسوء:
يحتاج إلى شرح طويل، لأن سبيل السيئات هو عكس سبيل الحسنات، وسبيل الحسنات ليس له نهاية، فكذلك سبيل السيئات، وكل نفس سيئة في الوجود إذا لم يتداركها الله بالرحمة والفضل كانت خطراً ووبالاً على الإنسانية، قال تعالى وهو بجميع النفوس عليم:
( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (53يوسف)
وصيام النفس الأمارة بالسوء هو ترك الإصرار على السيئات، فلا تكمن السوء ولا تصر عليه، ولا تطغى على إنسان ولا تضره، ولا تبتغي الفساد في الأرض، وأن تلتزم بحدود الدين وتعاليمه استعداداً ليوم الحساب.
وحكمة صيامها:
رقيها عن عمل السوء وفحش الوساوس إلى نوال أرقى الدرجات، لأنها إذا ترقت من صفات السوء رقت إلى أعلى مقامات الصديقية.
وأما النفس المطمئنة:
فهي التي سكنت لأمر الله، واطمأنت لطاعته، وداومت على ذكره، ودخلت فى عباده، وناداها ربها نداء الحنان، وألبسها ثوب الفضل بقوله تعالى: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبَادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (27: 30الفجر)
وصيامها:
ترك ما في الوجود راضية، وسكونها عند حكمة الأحكام مرضية، وحكمة صومها أن تنعم بمقامات الشهود، وترقى إلى مقامات العبيد، بالتخلي عن الأكوان، وفرارها إلى جنة المعرفة، وصحبة العارفين من أهل اليقين، سر قوله تعالى مخبراً عن موسى عليه السلام وفتاه:
( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ) (60الكهف)، وما زالا جادين فى طلبهما حتي وجدا ما طلبا وقصدا:(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ) (65الكهف)
هذا طلب النفس المطمئنة حين سمعت قوله سبحانه لها:
( فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ) (29الفجر)
وأما النفس القدسية:
فعلومها لدنية، وأسرارها خفية، وصيامها مفارقة العلوم، والفرار إلى المعلوم سبحانه.
فهي فوق المقامات قدراً، حالها وعملها وعلمها عجيب وغريب.
لم يصبر معها الكليم سر قوله تعالى على لسان العبد الصالح:
( إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) (67الكهف).
وحكمة صومها أن ترقى إليه سبحانه لا ترى ولا تشهد إلا وجه الله، ولا تفعل إلا بأمره:
( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) (82الكهف)
ولا تنطق إلا عنه، ولا ترى إلا به، سر الحديث القدسي:
{ ولا يَزَالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَإِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي أعْطَيْتُهُ، وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي أَعَذْتُهُ}
وأهل النفوس القدسية:
هم أهل الفرار إلى الذات الأحدية، فهم طلابها، وصيامهم بحولها وقوتها، وهم لا يرون إلا أنوارها رؤية نزاهة وقداسة، الحيرة في الله تغمرهم، والخوف منه يزعجهم، والرجاء دوماً يُطمئن قلوبهم، فهم من الله يرهبون، وإليه يرغبون، لا يقر بهم قرار، ولا يشهدون لهم وجوداً، وبينما تراهم في محق وفناء، فإذا بك تراهم مع الخلق في منازل الحق، لا يعرفهم إلا الله، ولا يعلم مقصودهم إلا من علَّمه الله.
الصيام وما أدراك ما الصيام
ترك بعد ترك ....
بدايته ترك الملك وما فيه ...
ثم ترك الملكوت وما حوى ...
ثم ترك المقامات العلية ...
ثم ترك الوجود كله عاليه ودانيه ...
ثم ترك التارك لنفسه، ثم ترك الترك ...
وبعد ذلك يكون المقصود هو الله، هذا هو المراد من شرع الصيام، فسبحان الحكيم العليم، وجَّه عباده لحضرته برموز خفية في ظاهرها، ظاهرة في باطنها، لا يدري أسرارها إلا أهل الحكمة الذين جعلهم لعباده رحمة ودلالة، نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل .. وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.مراجع الكتاب
1. القرآن الكريم.
2. الدين الخالص - الإمام محمد خطاب السبكي
3. رمضانيات - أ.د/ أحمد محمود كريمة.
4. الصوم المقبول - هدية مجلة صوت الأزهر 1420هـ.
5. الصوم عبادة ومجاهدة للشيخ محمد علي سلامة ، دار الإيمان والحياة بالمعادى بالقاهرة.
6. الصوم في حياة الصالحين - حسن رمضان - الدار العالمية للنشر والتوزيع القاهرة.
7. صيام أهل المدينة - الإمام أبو العزائم - دار المدينة المنورة.
8. حكمة أحكام الدين- الشيخ عبد الباسط القاضى- المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية .
9. فتاوى الشيخ شلتوت - دار الشروق القاهرة.
10. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض.
11. فتاوى رمضان الطبية - أ.د/ أمجد علي الذهبي.
12. فتاوى رمضانية معاصرة - د/ سالم عبد الجليل - هدية مجلة منبر الإسلام 1431هـ.
13. فتاوى عصرية - أد/ علي جمعة (مفتي مصر)- دار السلام القاهرة.
14. فتح الباري - ابن حجر - دار الريان.
15. فقه المريض في الصيام - هدية مجلة الوعي الإسلامي 1432هـ.
16. الفقه الواضح - أ.د محمد بكر اسماعيل - ط2 دار صلاح الدين بالقاهرة.
17. الفقه على المذاهب الأربعة - عبد الرحمن الجزيري.
18. كتاب الصيام - دار الإفتاء المصرية 1431هـ.
19. مجلة مجمع الفقه الإسلامي - مكة المكرمة.
20. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - الحافظ الهيثمي- دار الفكر بيروت.
21. مجموع الفتاوي - ابن تيمية - مكتبة ابن تيمية.
22. المجموع شرح المهذب - الإمام النووي - دار الفكر القاهرة.
23. مع الصائمين - عبد المعز الجزار - هدية مجلة الأزهر 1419هـ.
24. المـُـغني - ابن قدامة – بيروت.
25. . يسألونك في الدين والحياة - أ.د/ أحمد الشرباصي - دار الجيل.
26. موسوعة جوامع الكلم للحديث الشريف الإلكترونيةفهرس الكتاب
المقدمة 3
القسم الأول 7
الصوم وأحكامه الشرعية 7
الصوم، تعريفه، فرضيته 9
التهنئة بقدوم رمضان 10
ثبوت هلال شهر رمضان 11
فضائل الصوم 14
فضل شهر رمضان 16
1- اختصاصه بفرضية الصيام فيه 17
2- نزول القرآن فيه 17
3- احتفاء الكون له، وكثرة الخير فيه 18
4- اختصاصه بليلة القدر 19
5- اختصاصه بكثير من المستحبات يتأكد فعلها فيه 20
- مدارسة القرآن وكثرة تلاوته 20
- ختم القرآن 21
- الصدقة 21
- صلاة التراويح 23
- تفطير الصائم 23
- العمرة 24
- إحياء ليلة القدر 25
- الإكثار من فعل النوافل 25
- الإعتكاف 26
شروط وجوب الصوم 26
أنواع الصيام 27
أولاً: الصوم المفروض 28
ثانياً: الصوم المستحب 29
ثالثاً الصوم المحرم 32
رابعاً: الصوم المكروه تنزيهاً 32
خامساً: الصوم المكروه تحريماً 33
أركان الصيام 33
مبطلات الصيام 35
صوم أصحاب الأعذار 36
الإفطار لغير عذر شرعي 38
الكفارة ثلاثة خصال 39
مكروهات الصوم 40
المباح للصائم 41
مستحبات الصوم 47
فتاوى عصرية في الصيام 50
1) الحجامة ونقل الدم 50
2) تناول أدوية تأخير الدورة الشهرية 50
3) الفحص المهبلى 50
4) التدخين 51
5) الإفطار قبل الغروب 51
6) الأكل أو الشرب بعد الفجر 51
7) الحقنة الشرجية 52
8) بلع البلغم 52
9) من سبَّ الدين أعاذنا الله 53
10) مات وعليه صيام واجب 53
11) مشاهدة المرئيات والمسموعات 54
12) الصوم مع ترك الصلاة 54
13) جمع القضاء مع الست البيض 54
14) أذن الفجر وهو يأكل أو يجامع 54
15) مريض البواسير 55
16) ملابس المرأة والصيام 55
17) دم من اللثة 55
18) المنى أو المذى بسبب المرض 55
19) إفطار المريض 55
20) البنج والإغماء 57
21) الصوم فى بلاد النهار أو الليل الطويل 59
22) صيام المتنقل بين بلدين 61
23) منظار المعدة 62
24) رائحة الفم الكريهة 63
25) رائحة الفم أثناء الصوم 63
قربات رمضان 65
أولاً: صلاة التراويح 65
ثانياً: ختم القرآن 68
ثالثاً: الإعتكاف 70
رابعاً: ليلة القدر 73
خامساً: صدقة الفطر 77
سادساً: العمرة في رمضان 79
سابعاً: صلاة العيد 80
آداب العيدين 81
اجتماع العيد والجمعة 86
ثامناً: فضل صيام ست من شوال 88
القسم الثاني 91
تجليات الصيام الإلهامية 91
حقائق الصيام 93
معنى الصيام 94
الصوم جهاد للجسم 95
الصوم مخالفة للنفس 98
الصوم سياحة للعقل 103
الصوم عروج للروح 105
مراتب الصائمين 106
المرتبة الأولي: صوم العوام 106
المرتبة الثانية: صوم العلماء 106
المرتبة الثالثة: صيام العارفين 108
المرتبة الرابعة: صيام المقربين 109
المرتبة الخامسة: صيام المحبوبين 110
المِنَح الإلهية في شهر رمضان 112
المنح الإلهية فى أول ليلة من شهر رمضان 113
المنح الإلهية اليومية خلال شهر رمضان 114
منح ليلة القدر 117
أجر الصائم في الآخرة 118
مبطلات الصيام بالنسبة للخواص 122
في مقام الإيمان. 122
في مقام الإحسان 122
خاصة الخاصة 124
مراقي الصائمين 126
من معاني الصيام 126
صيام العوام وصيام الخواص. 126
الصيام عن اللهو 128
الصيام عن اللغو 130
الإمساك عن الفضول 132
الصيام عن السهو 136
مقامات التقوى 137
باب القرب 141
صيام العارفين وإكراماتهم 143
إكرامات الصالحين 143
إكرامات العين 143
إكرامات السمع 146
إكرامات اللسان 150
إكرامات اليد 151
إكرامات القدم 151
إكرامات البطن 152
إكرامات القلب 153
إكرامات الفرج 154
حقيقة العيد 155
نصيحة فى صيام الست من شوال 155
معنى العيد 156
رمضان تجديد للجسم وصلاح للقلب 157
العودة إلى الجمال الأول 158
أنواع الناس في العيد 159
العوام 159
عودة القلب للصفاء 161
تجدد النوايا 163
تجدد الرعاية والمراقبة لله 164
العيد عند الصالحين 165
من المضنون في الصيام 167
أسرار الصيام من أقوال الصالحين 167
قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه 167
الشيخ عبد الباسط القاضى رحمه الله 168
صوم الأعضاء الظاهرة 170
صوم القوى المعنويه 171
صوم الحقائق الباطنة 172
صيام النفوس 173
الصيام وما أدراك ما الصيام 180
المراجع 181
تعريف بالمؤلف 183
قائمة كتب المؤلف المطبوعة 184
مكتبات تبيع كتب المؤلف 186
الفهرست 188