Visits number:874
Downloads number:8

الأحد 15/11/2009
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} ( الفتح )
بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله على ما وهب ، والشكر لله علينا جميعا ً قد وجب ، والصلاة والسلام على إمام الشاكرين وسيد العارفين ، والمرجّى الأكمل للأنبياء والمرسلين ، ومن بعدهم جميع الصالحين إلى يوم الدين ، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
اخوانى وأحبابى بارك الله عزوجل فيكم أجمعين . يسأل بعض الأ حباب عن :
كيف يبلغ الانسلن درجة الفتح الوهبى الذى به يهب له الله علما نافعا ونورا ساطعا ورزقا باطنيا ومعنويا واسعا وخيرا روحانيا شاسعا ، هل يبلغ ذلك بالعبادات ، العبادات توصل إلى الجنات لأنها أعمال طلبا للأجر والنوال فمن صلى يأخذ أجرالصلاة وكلما إستزاد زاده مولاه أضعافا مضاعفة ، ولا حرج على فضل الله ، ومن صام فله عند الله أجره طاملا ً مستوفيا ًعلى هذا الصيام وكلما زاد الله له .
أهى بالبذل والعطاء ؟ ... كلا فالبذل والعطاء ينتظر الإنسان بعده جميل الجزاء والله عزوجل يوّفيه أكمل الجزاء فى الدنيا وفى الاخرة ـ ففى الدنيا :
{ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ( سبأ : 39) ويحفظه من الأمراض ومن العلل ويأتيه بالبركة من عنده من السماء وفى الآ خرة له أجر موفور وسعى مشكور بل إن الله يأخذ الصدقات ويربيهاله كما يربى أحدكم فلوه ـ أى مهره الصغير .
هل فتح الله يتوقف على هذه الطاعات ؟ .. لا بد من أداء الفرائض المفترضات ، ولايمكن لرجل أن ينال الفتح وعنده تقصير فى الفرائض التى فرضها الله وذلك لأنه : إنما نالوا الوصول بحفظ الأصول ، فمن لم يحفظ الأصول حرم من الوصول وأول الأصول الفرائض التى أوجبها علينا الله ووضحها لنا حضرة الرسول ، فكل من إدعى فهما ًومعرفة وهو غير محافظ على الأصول نقول له أنت ممكور بك أومستدرج لأن الله عز وجل لا يتعرف لأحبابه بذاته وأنواره وأسماوصفاته إلا فى العبادات التى أمرهم أن يؤدوها له عزوجل ـ أما الفتح فيلزمه قلب بدون نفس فاذا كان فى الجسد قلب ومعه النفس فلن يأتى الفتح ـ فإذا كانت النفس حيّه فاعلم أنها حيّه وسوف تلدغك آناء الليل وأطراف النهار .
إذن من يريد الفتح ماذا يفعل ؟ عليه أن يُميت النفس : فموت النفس فيه لىَ التدانى .
إذن لابد من موت النفس ـ كيف ؟ أميتها عن شهواتها ورغباتها وحظوظها وأهوائها . فلها رغبات قد تكون دنيوية وقد تكون أخروية مثلا بالنسبه للساده الحاضرين قد لايكون لأحد منهم رغبة فى العلو فى الدنيا لكن عنده رغبة عظيمة فى التشيّخ .. أن يكون شيخ ويمشى الناس من حوله يسألوه الدعاء والبركات ويصد ر لهم الأ وامر وماعليهم سوى التنفيذ ومن لم ينفذ فله الويل والثبور وعظائم الأمور ويهددهم ويتوعدهم ، وهذه هى النفس الفرعونية التى تقول أنا ربكم الأعلى ، وهى بذلك تريد أن تدخل فى مقام الربوبية وتنافس العظمة والأ لوهية فيمن حوله من أهل الخصوصية .
أما أهل فناء النفس فإن أهم صفاتهم أنهم يجلسون على التراب ـ كما سمعنا فى الآيه قال تعالى :
{ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ } (الروم :20) , وإذا علا قليلا يكون من طين ، وإذا رجع للخلف يكون من ماء مهين وإذا رجع أكثر قال تعالى: { لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } (الإنسان :1) وهذه يااخوانى هى مراتب الجهاد ـ أن يكون أولا من الطين ثم الى التراب ثم الى الماء المهين ثم بعد ذلك يعود الى : { هَلْ أَتَى عَلَى الانْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } (الإنسان:1) ,
أما النعوت والعظمة التى فىّ : كالعينين الكحيلتين الجميلتين ، والأذن السمعية ، واللسان الطليق فى الكلام ، والوجه العظيم الذى أتباهى به بين الآنام . هل هؤلاء ملكى ؟ .. كلا ًمنهم أمانة وضعها الحق عزوجل عندى ليرى إنه كنت سأنسب هذه البضاعة لصاحبها أم سآ كل من شجرة النفس وأنسبها لنفسى وأقول فصاحتى وبلاغتى أو نظرى وقوته ، أوعقلى وذكاؤه ومهارته وتفكيره وتدبيره ، أو نعومة شعرى واسترساله .. فماذا فعلت فى كل ذلك ؟ ومن منا صنع أو سوى شىء من ذلك ؟ إنّ الذى سواهم هو { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى } (الأعلى:2) حتى الهداية فلو ألبسوك حتى تاج الولاية وأعطوك جميع خلع الهداية لكى توزعها ، وأصبحت أمين سر الحضرة المحمدية توزع هذه الخلع على أهل الخصوصية ، فما لك فى هذه البضاعة ؟ ..لا شىء فهو يوزع فقط لكن هل صنعها أو يمتلكها ؟ لا.. , قال تعالى :
{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى , وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (الأعلى:2,1 ) كله من الله ـ وقد يجلس الواحد منا يتكلم مع آخر ويسترسل معه فى الكلام فيهتدى الى طريق الله بسببه فما يكون منه إلا أن يقول : لقد هديت فلان . فهل هديت نفسك لكى تهدى فلان ؟ وهل تملك أن تظل مُهتدى الى أن تلقى الله ؟ أو أن تظل هذه الهداية معك إلى أن تنام أو إلى أن تتحرك القدم ؟ كلا وذلك لأن القلب سريع التقلب فمن الذى يثبته ؟ الله جلّ وعلا ، ولذلك ندعوا فى كل وقتٍ ونقول :
( اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ، ثبّت قلبى على دينك )
إذن فالهداية من الله ، ولو قلت : إنّ الله هدى فلان على يدىّ فلا بأس ، لكن تقول أنا هديت فلان ، فما الذى معك ؟ .. والأولى أن تهدى من حولك إن كانت زوجتك أوأولادك ، لكن زوجتى بعيده ، ومع ذلك أقول أننى أليّن الحديد وأقرّب البعيد ... ولا يفعل ذلك إلا ّ الحميد المجيد عزّ وجلّ .
أمّا نحن فمجرّد أسباب ، وما علينا إلا ّ أن ننسب الفضل لمسبب الأسباب ، ونحن آلات ، والذى يحرّكها هو الحق عزّ وجلّ بذاته أو بأسمائه وصفاته ، فلولا حرّك منّا القلوب ، هل نستطيع أن نحرّكها شعرة ً واحدة ٍ نحو علا ّم الغيوب ، فلو أنه أصابك بالجمود والخمود والرقود .. فماذا تفعل ، وأين الحقن التى توقذك ، والمنبهات التى تنبهك ؟ .. فلو جاؤوك بكل منبهات الدنيا ، لن تنتبه ، فقد ينتبه الجسم ، ولكن أتكلمّ عند تنبيه القلب ويقذة القلب ، ولا ينبه القلب إلا ّ مقلبه عزّ وجلّ .
فمن الذى يسخر كل الحواس ؟ .. إنّه ربّ الناس ، ومن الذى يُخدِّم الجسم ؟ .. خالق الجسم ، أمّا أنا فليس معى شيءٌ
ومن قبل كنّا ظلا ما ً وجهلا ً فصرنا بطه رجا لا ً فحولا ً
مثلا ً أنا الآن أقول هذا الجمع من الناس حولى يهتمون بى ، ويعقدون لى مجلسا ً خاصا ً ، وطعاما ً مخصوصا ً ، وأنا هكذا فوق الناس ؟ .. لا.. أنا أعرف أصلى جيدا ً، إمّا طين أو تراب أو ماءٍ مهين ، أو { لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } (الإنسان :1) وكل مازاد عن الطين فهو جمال ربّ العالمين ، لأنه لو كان يخصّك لبقىَ معك .. وفى يوم معلوم ٍ تجد أنك تسلمّ الأ مانة .. فأين ذهبت ؟ .. أخذها صاحبها .
مثلا ً آلة البصر موجودة ، لكن الأمانة التى تشغلهّا أخذها صاحبها ، وهى من سرّ إسمه البصير .. وآلة السمع موجودة ، لكن الأمانة التى من سرّ إسمه السميع أخذها السميع ، فكيف أسمع ؟
كذلك الجسم كله موجود لكن الحىّ أخذ منه سرّ الحياة .. فمن الذى يستطيع من الأولين أو من الآخرين ، حتى أهل أوروبّا وأمريكا هل يستطيعوا أن يردّوا الحياة لإنسان أخذ الله منه سرّ الحياة .
فهذه هى الأمانات التى معنا ، والتى قال لنا الله فيها : { إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الانْسَانُ } (الأحزاب : 72) .
ويذ كرّنا الإمام أبو العزائم فى هذا الموضع ويقول :
نسـيت جمال الله فيك تيقظا ً فمن ينسه يلقى سعير النـار
أكنت سميع أو بصيرا ً وعالما ً ولكننى أنعمـــت بالمدرار
إذن فحقيقة الأمانة ، مع إحترامنا لأقوال السادة العلماء أجمعين الذين قالوا إنها العقل أو التكاليف الشرعيّة والعبادات وغيرها .. حقيقتها : هى مافيك من أوصاف خالقك وباريك ، ففيك سرّ السميع وفيك سرّ البصير وفيك سرّ المتكلم ، وفيك سرّ المريد وفيك سرّ القادر وفيك سرّ القوىّ وفيك سرّ الحىّ ، ويحدث كل ذلك بتجليّات الأسماء الإلهيّة على الأجساد الطينيّة ، لتظهر فيها أمانة الأوصاف الإلهيّة .
لذلك لا يأكل أحدٌ من العارفين المحققين من شجرة النفس أبدا ً ، لأنه يعلم ماله ، وما عليه ، فأنت لك الظلم والجهل والذنوب والمعاصى والغفلة والسهو والنسيان ، وهى بضاعتنا .. أمّا العلم والهداية والولاية والنور ، فهى بضاعة الله عزّ وجلّ ، فإذا وهبها لى فهى فضلٌ من عنده لا بعمل ٍ ولا بأمل ٍ ، وإنما فضل من المتفضل عزّ وجلّ :
{ الله وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } (البقرة : 257)
والنور واحد ، أمّا الظلمات فكثير ، وأعتاها وأشنعها ظلمة النفس ، ولا يستطيع أحد من العارفين فعل شيئا ً مع أحد المريدين ، طالما أن نفسه حيّة ، وهو موافق على ذلك ، ولا يريد أن يعالجها أو يفحصها ومعجبٌ بها ومسرورٌ .. فماذا أفعل له أنا أو غيرى ؟ .. إذن من أعالج ؟ .. من أحسّ أن نفسه أتعبته وحيّرته ، فيأتى ويقول أريد أن أعالج نفسى ، فأقول له هل تستجيب ؟
فإن كان سيستجيب فسيصبح عبدا ً منيبا ً ، وإن لم يستجب فلا يستطيع أحدٌ علاجه ، وجهاد النفس هو الأساس كله ، لأنها الظلمة الأ ولى الشديدة ، ياتى بعد ذلك ظلمة الحسّ، إذ تلتقط حواسّ اٌنسان مناظر وكلام وغير ذلك ، والمصيبة الأكبر من ذلك ، والتى يقع فيها كثر من السالكين هى ظلمة الوهم ، إذ يتوهمّ فى لحظةٍ من اللحظات أنه رجلٌ من الصالحين ، ويفرح بهذه المنزلة ، ولا يتنازل عنها ، وإذا حضر درسا ً كالذى نحن فيه الآن ، يقول أنّ هذا الكلام ليس لى ، لكنه للآخرين وذلك لأنه يعيش فى ظلمة الوهم ، { وبمجرّد أن أن تأتى ظلمة الوهم ، فإنها تغلق باب الفهم ، إذا كان منك أو من غيرك ، ويصبح كمن أقام حول نفسه سياج يمنع عنه كل فهم } .. ولذلك قال الله لحضرة النبىّ :
{ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ( النمل : 80) فلو أن رسول الله كان يذهب للمقابر ويكلمّ الأموات لكن ذلك لمن ماتت أرواحهم وقلوبهم وهم الكافرين .. أمّا من حوله فقد قال فيهم :
{ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (فاطر ك 22) أى أنّ الإنسان صنع لنفسه قبراً من الوهم يعيش فيه ويظن بذلك أنه كذا وانه كذا ، ومثل هذا دليله واضح .. كيف نعرفه ؟ .. لو قابلته يوما ً ولم تعظمّه يغضب ويشتكيك لكل من يقابله ويقول فلان لم يعظمنى ولم يحترمنى .. أليس من الواجب عليه تكريم العلماء وإحترامهم وتعظيمهم .. كذلك إذا جاءك وقدمت له الموجود ، يقول فلان هذا لا يعمل بالحديث الذى يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) .
وعلى شاكلة ذلك كل من يعيش فى قبرالوهم ، وهو بذلك قد نسى أن حقيقة التعظيم والتوقير للعارفين أنّهم يروْن أنّ هذا التبجيل لله وليس لأنفسهم ، لأن العارف يعلم علم اليقين أنه ليس معه شيء فمن يبّجل العلم فإنه يبجل العليم وليس العارف ، لأنّ العليم إذا قطع إمداده ينفضّ الناس عن العارف ، ومن يبجّل الحكمة فإنه يبجّل الحكيم عزّ وجلّ ، وهذا ماكان يقوله سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه ، عندما سألوه :
لم يحب العارفين الثناء ؟ .. قال : { لأنهم يحبون أن يسمعوا الثناء على فضل الله الذى عمّهم } :
من غير معرفة ربّى أنا سُفلٌ لأنىَ مشركٌ قد مِلتُ للترْبِ
فلا يساوى أحدٌ شيئ ٌ بدون معرفة الله ... إذن فا لمنّة التى تعمنا سببها معرفة الله ...
فكيف تأتى معرفة الله ؟ .. كما قلت بجهاد النفس ، فإمّا أن أحبسهافى قمقم الشريعة إن أردت دخول الجنّة ، وإمّا ان أهذبّها من نوازعها ورغباتها وأهوائها وميولها إذا رغبت فى نوال المنّة , فلا يجب أن يكون للنفس هوى إلا ّ هوى حبيب الله ومصطفاه ، ولا رغبة ً إلا ّ فى رضاء الله جلّ فى علاه ، ولا ميل لها إلا ّ لكتاب الله أو لرسول الله أو للصالحين والصادقين من عباد الله ، وكذلك كل أحوال النفس لا تدور إلا ّ فى هذا المدار ، ولا تمشى إلا ّ فى هذا الإطار ، وإن حدث ذلك ، تكون تكون قد تخلّصَّت من الأوزار ، وصفت من الأكدار ، وأصبحت مملوءة بالأنوار ، فتنظر بنظر ٍ يقول فيه الواحد القهّار : ( ولا يزال عبدى يتقرّب إلى بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذى يسمع به ، وكنت بصره الذى يبصر به ) .. وأول البصر أنٍ يبصر السالك فى نفسه أولا ً ، وليس كما سمعتم : أن السالك يبصر لما فى القلوب فلا شأن لنا بالقلوب ، لأن من يطلع عليها هو علامّ الغيوب ، فهل الولى أو العارف لديه وقتٌ لكى ينقبّّ عن خفايا القلوب ؟ لا.. وكل مايشغله أن ينقب عن خفايا الأنوار الإلهية ، وخفايا الصفات الربانية ، وكنوز الحكم الإلهية لكى يحصّلها ، ولكى نعلم أن هذا الرجل مؤيد ويكرمه الكريم عندما يتحدث ، فيصادف هذا الكلام ما يدور عند السالك ، وهذا إلهام الله ، وإذا وقف العارف عند ذلك وانشغل بالكرامة نقول له ُعليك أن ترجع ثانية ً لروضة العارفين لتتربّى ، ثم بعد ذلك ينقلوك إلى سيد المربين صلى الله عليه وسلم .. وقد يسأل سائل ٌ : هل كل الذين فى دائرة العارفين يتربّون هذه التربية ؟
لا .. وهذه هى المشكلة حيث نجد أنّ الكثير فى دائرة العارفين همج ورعاع يمشون على حسب هواهم ، ولا يدخل طور التربية منهم إلا ّ من تخلصّ من حظه وهواه ، وسلم القياد للعبد الصالح ليتولاه ، كسيدنا موسى حين قال :
{ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ ، هل قال مماعلمت علما ً؟ كلا ّ ولكنه قال : مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا } (طه :66) والرشد هو علم الحقائق .. { قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ، قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} ( طه : 67 ، 68 ، 69) .
وانظر إلى الآداب فى هذه الآيات تجدها كثيرة وواضحة .
إذن فالمحبّين كثير، وهم على خير ، وإن شاء الله سيكونون معنا هناك ، لكن الذى معنا يختلف عمن هو منّا ، لأن الذى يجلس معنا خلاف الذى يرث منّا ، فهناك فرقٌ ، لأن الذى سيرث يجب أن تكون فيه كل صفات الأبّ : كالحنان والعطف والشفقة والرحمة والمودّة والأدب الأعظم لسيد العارفين وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولن يتحلىّ الإنسان بهذه الصفات ، إلا ّ إذا تخلصّ من النفس ، وإذا لم يتخلصّ من النفس ، فإنها تحبسه فى الدنيا ، فيشتهى هذا ، ويرغب فى هذا ، وإذا إنتهى من الشهوات الدنيوية ، فإنه يريد الشهوات الأخروية ، كأن يريد أن يرى رؤيات ، أو تكون له كرامات ، أو يكون له مريدين وجاه بين الخلق ..
وقد جاء لى أحد الإخوان فى يوم ٍ وقال : متى يكون لى مريدين ؟ .. قلت لا أعرف لأن الموضوع ليس فى يدى ، ولكنه فى يد الله عزّ وجلّ : { الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } (الأنعام : 124) .
وطالما أنك تريد ذلك ، فلن يعطك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( من طلب هذا الأمر لا نعطيه له ) أمّا من لا يريد هذه الخلعة فإنهم يلبسونها له ، لأنه لا يريد إلا ّ وجه الله جلّ فى علاه .
إذن يجب على مريد الفتح أن يجاهد النفس :
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان ٌ
فيأتيك الفتح من الله عزّ وجلّ ، لكن طالما تلتفت لهذا ولذاك ، وتريد أن تكون مثل هذا وتنال ماناله هذا ، وتظن من داخلك أنك وصلت إلى نهاية النهايات ، وهى يا مسكين نهاية النهايات فى الخسارة ، والبعد عن الله عزّ وجلّ .. حاشا لله سبحانه وتعالى ، وليس إلا ّ :
{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ } ( الداريات : 21) .
وقد قال الإما م أبو العزائم : { لحظة فكر ٍ بيقين ، خير ٌ من عبادة سنين } .. فماذا أحتاج ؟ ..
{ تبصرك فى ما فيك يكفيك } أمّا إذا نظرت لهؤلاء القوم ، فإنّى أنظر لهم لكى أصلح نفسى ، وذلك لأنهم مرآة وصفها لنا رسول الله حين قال : ( المؤمن مرآة المؤمن ) .. كيف ؟ .. أرى الخُلُقُ المحمود الذى فى أخى لكى أتخلقّ به ، وأنظر إلى العمل الطيّب الذى يقوم به لكى أعمل مثله ، وكذلك أنظر إلى الإخلاص الذى أكرمه الله به ، وأرى كيف وصل لهذا وأقتدى به ليكرمنى الله كما أكرمه .
إذن فأخى يعتبر لى مرآة أنظر فيها لأتخلقّ بما عنده من مكارم الأخلاق ، ولا أنظر له لكى يمسك فى ذيلى ويتمّسح فىّ ، ويجرى خلفى ، أستزيد من ذلك ، وأأمر هذا وأنهى هذا .. فيجب ألا ّ يكون لى شأنٌ بذلك ..
أمّا إذا أقاموك فى هذه المقامات ، فإنهم يعينوك , أما إذا أردت أن تقيم نفسك فأنت مع نفسك .
لكنهم عندما يفتحون ، فإنهم هم الذين يجمعون , والجامع هو الله عز وجل هو الذي سيجمع علىّ الأوصاف الإلهيه الموجودة فيك .. إذن فالجامع يجمع على ذاته , ويجمع على أوصافه وأسمائه وصفاته وأنا كما قال الرجل الصالح :{ أنا آلة والله جل الفاعل }.
هذا بإختصار شديد والكلام فيه شجون ونكتفي بهذا الحديث ففيه لمن يريد أن يكون من أهل هذا المقام الإفادة والمرام .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم